تفسير نشيد الانشاد - الكتاب المقدس - العهد القديم -  سفر نشيد الأنشاد -  الفصل / الإصحاح الثاني (٢)

اقرأ النص اولا - ثم يليه الشرح 




 النص


الكتاب المقدس - العهد القديم
سفر نشيد الأنشاد

الفصل / الإصحاح الثاني

 

1 أنا نرجس شارون، سوسنة الأودية

2 كالسوسنة بين الشوك كذلك حبيبتي بين البنات

3 كالتفاح بين شجر الوعر كذلك حبيبي بين البنين. تحت ظله اشتهيت أن أجلس، وثمرته حلوة لحلقي

4 أدخلني إلى بيت الخمر، وعلمه فوقي محبة

5 أسندوني بأقراص الزبيب. أنعشوني بالتفاح، فإني مريضة حبا

6 شماله تحت رأسي ويمينه تعانقني

7 أحلفكن يا بنات أورشليم بالظباء وبأيائل الحقول، ألا تيقظن ولا تنبهن الحبيب حتى يشاء

8 صوت حبيبي. هوذا آت طافرا على الجبال، قافزا على التلال

9 حبيبي هو شبيه بالظبي أو بغفر الأيائل. هوذا واقف وراء حائطنا، يتطلع من الكوى، يوصوص من الشبابيك

10 أجاب حبيبي وقال لي: قومي يا حبيبتي، يا جميلتي وتعالي

11 لأن الشتاء قد مضى، والمطر مر وزال

12 الزهور ظهرت في الأرض. بلغ أوان القضب، وصوت اليمامة سمع في أرضنا

13 التينة أخرجت فجها، وقعال الكروم تفيح رائحتها. قومي يا حبيبتي، يا جميلتي وتعالي

14 يا حمامتي في محاجئ الصخر، في ستر المعاقل، أريني وجهك، أسمعيني صوتك، لأن صوتك لطيف ووجهك جميل

15 خذوا لنا الثعالب، الثعالب الصغار المفسدة الكروم، لأن كرومنا قد أقعلت

16 حبيبي لي وأنا له. الراعي بين السوسن

17 إلى أن يفيح النهار وتنهزم الظلال، ارجع وأشبه يا حبيبي الظبي أو غفر الأيائل على الجبال المشعبة





الشرح


يعتبر اليهود نشيد الانشاد (أو قدس الاقداس) نشيد رمزي يعكس علاقة الحب المتبادل بين الله و شعبه إسرائيل ، 

تسلمت الكنيسة المسيحية من يدي الكنيسة اليهودية هذا السفر ضمن أسفار العهد القديم، وقد احتل هذا السفر مركزًا خاصًا بين الأسفار لما يحمله من أسلوب رمزي يعلن عن الحب المتبادل بين الله وشعبه ((المسيح  (العريس) و الكنيسة ("عروسه")) ، أو بين الله والنفس البشرية.






في هذا الفصل / الإصحاح الثاني :

+  الآيات ١ و ٢ : العريس هو المتكلم ... 

(في الآية ١ يتحدث العريس عن نفسه  




(ملحوظة : نسخ الكتاب المقدس التي كتبت فوق الايات من هو المتكلم وضحت ان المتكلم هنا في :  الاصحاح الثاني من سفر نشيد الانشاد ، عدد ١ ، هي العروس و ليس العريس ... لذا قد يختلف الشرح ، ندعوك للبحث)





و في الآية ٢ يتحدث العريس بكل الحب عن عروسه)


+ الآيات من ٣ إلي ٩ : العروس هي المتكلمة ...

(في الآيات من ٣ إلي ٦ : تتحدث العروس عن عريسها و تأثيره عليها

في الآيات من ٧ إلي ٩ : تحدث العروس صديقاتها و تكلمهم عن عريسها و عن مكانته العالية عندها)


+ الآيات من ١٠ إلي ١٥ : العروس هي المتكلمة ... 

(العروس هي المتكلمة و لكنها تنقل لنا كلام عريسها عنها)




(ملحوظة : نسخ الكتاب المقدس التي كتبت فوق الايات من هو المتكلم وضحت ان المتكلم هنا في :  الاصحاح الثاني من سفر نشيد الانشاد ، عدد ١٥ ، هم الاصدقاء و ليست العروس ... لذا قد يختلف الشرح ، ندعوك للبحث)





+ الآيات ١٦ و ١٧ : العروس هي المتكلمة ... 

(و هي تتحدث عن عريسها و تغازله )





1 أنا نرجس شارون، سوسنة الأودية




(ملحوظة : نسخ الكتاب المقدس التي كتبت فوق الايات من هو المتكلم وضحت ان المتكلم هنا في :  الاصحاح الثاني من سفر نشيد الانشاد ، عدد ١ ، هي العروس و ليس العريس ... لذا قد يختلف الشرح ، ندعوك للبحث)




بعض الناس يظنون أن المتكلم هنا هي العروس، لكننا نرجح أنه العريس الملك. 


نرجس = 

النرجس زهر أبيض له رائحة ذكية، ينبت بين الصخور وشقوق الجبال الشامخة.

و النرجس بالصورة السابقة يظهر دون أن يزرعه أحد.


سوسنة الأودية = 

السوسنة بمعنى الزنبقة 

(" تأملوا الزنابق كيف تنمو: لا تتعب ولا تغزل، ولكن أقول لكم: إنه ولا سليمان في كل مجده كان يلبس كواحدة منها "  (إنجيل لوقا ١٢ / ٢٧))


أنا نرجس شارون = 

شارون سهل في اليهودية، وهي منطقة خصبة جدا متوفرة المياه، لكنها لا تزرع لضيقها، كان يستخدم هذا السهل كطريق بين مصر وسوريا.

شارون هو وادي قفر ضيق غير مأهول، كان يستخدم كطريق بين مصر وسوريا. وكان مملوءًا بهذا النرجس الممتاز، والنرجس هو زهور تنمو في وادى شارون، وأجملها هو السوسن وهو نوع يسمى الملوكى لجمال منظره و الذي قال عنه المسيح "ولا سليمان كان يلبس كواحدة منها" وهذا النرجس ينمو طبيعيًا، لا أحد يتعب في زراعته، فلم يكن أحد ليتعب ويزرع في وادٍ ضيق غير مأهول وقفر ومُحْجِرْ. وهكذا السيد المسيح الذي أتى لهذا العالم دون زرع بشر، ليكون سوسنة الأودية = أو النرجس المملوء جمالًا فهو أبرع جمالًا من بني البشر، وَوُجِدَ وسط هذا العالم المملوء خطية، فالأودية أماكن محجرة.


إنه يليق بالرب أن يشبه بالنرجس فهو يظهر دون أن يزرعه ويفلحه احد، هكذا المسيح ظهر في أرضنا دون أن يشترك أحد في تجسده " من الروح القدس ومن العذراء مريم".


هكذا يظهر حبيبنا في أرضنا، جاء إلينا بنعمته، وليس لبرٍّ فينا. وفي وسط الأودية القاحلة يظهر الرب كسوسنة.


لذلك فإن المن الذي كان ينزله الله من السماء في العهد القديم ( سفر الخروج ١٦ / ٣٥). كان رمزا للمسيح لأنه لم يشترك أحد في إعداده " أنا هو الخبز الذي نزل من السماء إن أكل أحد من هذا الخبز يحيا إلي الأبد" (يوحنا ٦ / ٥١)


* * *


هنا في هذا الإصحاح، ابن الله يعلن عن تجسده ليجمع في جسده الكنيسة ، وراحة المسيح وفرحته هي في إتحاده بنا ليعطينا حياته ، وراحتنا هي في إتحادنا به. فإتحاد المسيح بنا يعطينا حياة أبدية وهذا ما يفرحه، وكان هذا قصده منذ البدء. فلكى يتم الإتحاد بين جسدنا وبين جسد المسيح كان لا بد لإبن الله أن يتجسد أولًا. وهذا الإتحاد يتم بواسطة المعمودية، ويظل الثبات في جسد المسيح بالإفخارستيا..





2 كالسوسنة بين الشوك كذلك حبيبتي بين البنات


المسيح هو السوسن، وينعكس جماله علينا فتصير حبيبته (الكنيسة)  كالسوسنة = فهي تحمل صورته (غلاطية ٤ / ١٩) .  

ولكنها ما زالت في وسط العالم تتألم من الشوك الذي في العالم = شهوات الجسد وآلام هذا العالم وحروب الشيطان ضدها والهرطقات التي تحاربها، وهموم الحياة وغناها ولذاتها (لوقا ٨ / ١٤) وقد تسقط في الخطيئة بسبب كل هذا، والعجيب أن عريسها حمل الشوك عنها.


ان كان العريس المبارك يرانا نحن المؤمنين عروسه كالسوسنة بين الشوك أفلا يجب ان يظهر في حياتنا العملية ان هناك فرقا كبيرا بيننا وبين أهل هذا العالم  و " لكي تكونوا بلا لوم ، وبسطاء، أولادا لله بلا عيب في وسط جيل معوج وملتو، تضيئون بينهم كأنوار في العالم"  (رسالة بولس الرسول إلى أهل فيلبي ٢ / ١٥).


* * * 


"كذلك حبيبتي بين البنات" =

فمع أنه توجد بنات كثيرات لا يحصى عددهن ولكن ليس للعريس بينهن إلا حبيبة واحدة هي عروسه التي أحبها وأسلم نفسه لأجلها وان مثلها بينهن كمثل السوسنة الواحدة بين الشوك الكثير.


* * *


"في العالم سيكون لكم ضيق". والسوسنة بين الشوك صورة للكنيسة وسط العالم والهرطقات..

والسوسنة وسط الشوك تجسيد لمثل الزوان والحنطة!!!





3 كالتفاح بين شجر الوعر كذلك حبيبي بين البنين. تحت ظله اشتهيت أن أجلس، وثمرته حلوة لحلقي


هنا تتكلم العروس.. إن كانت العروس تعيش وسط الشوك " كالسوسنة بين الشوك " ولا تستطيع أن تصل إليه فهو يتنازل ويأتي إليها، ويصير كشجرة التفاح وهي رمز للتجسد الإلهي.. لقد حل بيننا.

نحن شجر الوعر الذي بلا ثمر وصار كواحد منا، لكن ليس بلا ثمر مثلنا، بل كشجرة التفاح الجميلة المنظر.. " حبيبي ": ليس لها سوي حبيب واحد " من لي في السماء ومعك لا أريد شيئا في الأرض".

إن الشوك الذي نعيش فيه هو أثر الخطية " شوكًا وحسكًا تنبت لك".


شجر الوعر =

شجر الوعر له شكل وجاذبية ولكنه بدون ثمر، شجر الوعر يشير للآلهة الكثيرة التي يعبدها الناس مثل شهوة البطن وحب المال وحب المديح والكرامة. ولكن كل هذه بدون ثمر.


شجر الوعر بالنسبة للكنيسة (العروس)  يُشير إلى الهرطقات والتعاليم الغريبة، فإنه لا راحة لنا إلاَّ في الكلمة المتجسد وحده، بعيدًا عن كل هرطقة.


* * * 


كالتفاح بين شجر الوعر كذلك حبيبي بين البنين =

الكنيسة تشبه حبيبها بالتفاح بين شجر الوعر. 

المسيح فقد قدم لنا نفسه سر شبع. يسوع المسيح أعطانا نفسه مأكلاً ومشرباً ليشبع نفوسنا "لأن جسدي مأكل حق ودمى مشرب حق" (يوحنا ٦ / ٥٥) . لذلك فالتفاح هنا إشارة للتجسد. 

المسيح هو وحده المشبع "من يشرب من هذا الماء يعطش إما من يشرب من الماء الذي اعطيه فلا يعطش ابدا" ، أما آلهة العالم لا تروي ولا تشبع.


التفاح هنا إشارة للتجسد. تحت ظله اشتهيت أن أجلس= في العهد القديم جلسنا تحت ظل الموت إذ أكلنا من شجرة العصيان (العالم هو وادي ظل الموت إذ يموت الإنسان وهذا في أي لحظة مزمور ٢٣ / ٤) والآن في العهد الجديد جلسنا تحت ظل المسيح واهب الحياة إذ نأكل من جسده ). 


* * *


تحت ظله اشتهيت أن أجلس = 

في العهد القديم جلسنا تحت ظل الموت إذ أكلنا من شجرة العصيان (العالم هو وادي ظل الموت إذ يموت الإنسان وهذا في أي لحظة مزمور ٢٣ / ٤) .

والآن في العهد الجديد جلسنا تحت ظل المسيح واهب الحياة إذ نأكل من جسده . 

فالمسيح مشبه بصخرة تحمينا من شمس آلام هذا العالم (= تحت ظله) . 

نتلذذ بالتأمل فيه (= إشتهيت أن أجلس).


كان الشعب قديما يجلس في ظلال الموت " الجالسون في أرض ظلال الموت أشرق عليهم نور" (إشعياء ٩ / ٢  +  متى ٤ / ١٦).. وتمني داود أن يبيت في " ظل القدير" (مزمور ٩١ / ١).


ما أكبر الفرق بين شهوة المؤمنين الأتقياء وشهوات غير المؤمنين. " شهوة الأبرار خير فقط.. أما نفس الشرير فتشتهي الشر" (أسفر الأمثال ٢١ / ١٠ +  ١٠ / ٢١).


طوبي للنفس التي تشتهي أن تتمتع بالرب وبالوجود قربه وتحت ظله "إلي اسمك وإلي ذكرك شهوة النفس. بنفسي اشتهيتك" (سفر إشعياء ٢٦ / ٨ - ٩).


وهنا العروس تشتهي أن تجلس تحت ظله.. وطلب داود " بظل جناحيك استرني " (مزمور ١٧ / ٨).." ارحمني يا الله ارحمني لأنه عليك توكلت نفسي وبظل جناحيك أعتصم إلي أن يعبر الإثم" (مزمور٥٧ / ١).. "يا الله إلهي إليك أبكر.. ذكرتك علي فراشي وفي أوقات الأسحار كنت أرتل لك. لأنك صرت لي معينا. وبظل جناحيك أبتهج" (مزمور ٦٣).


تأمل: في وسط تجارب وآلام هذا العالم ما أحلى أن يظلل علينا مسيحنا فنتعزي، ومن تذوق هذه التعزيات يقول "تحت ظله اشتهيت أن أجلس" ولا يعود يطلب تعزيات هذا العالم. وقوله أجلس إشارة للراحة الكاملة.


الظل مريح ويتسابق إليه الناس، فكم إذا كان هذا الظل هو ظل الله..!!


ان في وجودنا تحت ظله لا نجد اللذة والشبع فحسب ولكننا نجد الأمن والسلامة أيضا. نجد الحفظ المستمر "الساكن في ستر العالي في ظل القدير يبيت"(مزمور ٩١ / ١) "لأنك كنت حصنا للمسكين حصنا للبائس في ضيقه ملجأ في السيل ظلا من الحر"(أشعياء ٢٥ / ٤)  فلنعقد النية ونجدد العزم بعمل الروح القدس على ان نـزداد قربا منه والاشتهاء للوجود تحت ظله والشخوص إلى جماله والتغذي بصفاته المباركة، وإذ نوقن أننا في حمى ظله المقدس نتمتع بملء سلامه الذي يهبه لنا، نستطيع ان نغني أنشودة الظفر إلى ان نكون معه في مجده وهناك في ظل حضرته نبقى إلى أبد الدهور كلها "وهكذا نكون كل حين مع الرب".


* * *


ثمرته حلوة لحلقي = 

لاحظ أن العروس وسط الشوك مشغولة بعريسها وليس بالشوك. 

قيل عن الأشرار أن حنجرتهم قبر مفتوح، يخرج منها كلمات الموت والهلاك، أما عروس المسيح فحنجرتها وحلقها لا يوجد فيهما إلا كل ما هو حلو. وكلما تتذوق هذه الحلاوة تطلب الدخول إلى "بيت الخمر". بدلا من غصة الموت في الحلق التي كانت في العهد القديم، صار حلقها وكرازتها وتعليمها وكلامها وتأملاتها بطعم الحب الإلهي والأحضان الأبوية والغفران والحياة الأبدية والفرح والمجد الأبديين.


 هذا الإصحاح يحدثنا عن التجسد. ورأينا في الآية الأولى منه أن المسيح سيولد في وسط هذا العالم المملوء بالآلام والخطية بدون زرع بشر وهو الأروع جمالا من بنى البشر. ورأينا في الآية الثانية أن يسوع المسيح سيعطى كنيسته نفس شكله (السوسنة). وهذه أولى ثمار التجسد. وهنا في هذه الآية نرى ثمرة أخرى للتجسد، لقد تحول العالم من وادى ظل الموت إلى وادى ظل الحياة. فقبل يسوع المسيح كان الإنسان يحيا في عالم يُخَيِّم عليه ظل الموت. نموت في أي لحظة. يضحك الإنسان ويفرح بأكله / بشرابه / بإنتصاراته / بلهوه ... ثم يفكر في النهاية، نهاية هذه الحياة فلا يرى سوى الموت، وهنا يجد غصة في حلقه.


يسوع المسيح بإتحاده بنا صارت لنا الحياة الأبدية. والروح القدس يكشف لنا عن "ما لم تره عين ولا سمعت به أذن ولم يخطر على بال إنسان" من "الفرح الذي لا ينطق به "، هذا الذي ينتظرنا بعد أن نغادر هذا الجسد. فنشتهى هذا "اللقاء مع الملائكة ومع القديسين" ومع أحبائنا الذين سبقونا فنقول مع بولس الرسول "لي إشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح، ذاك أفضل جدًا" (رسالة بولس الرسول إلى أهل فيلبي ١ / ٢٣). وبهذا تبدل لنا وادى ظل الموت إلى وادى ظل الحياة والفرح والمجد. فصرنا نتذكر إنتقالنا بالفرح والإشتهاء. وإختفت الغصة من الحلق بل صارت السماء وأفراحها والحياة الأبدية التي حصلنا عليها هي موضوع يحلو لنا أن نتحدث عنه بفرح فنتعزى ونعزى الآخرين.





4 أدخلني إلى بيت الخمر، وعلمه فوقي محبة

أدخلني إلى بيت الخمر = 

يا لها من نعمة غنية ومحبة إلهية فائقة فأنه عندما طلبت العروس إلى عريسها بان يجذبها فتجري ورائه أدخلها إلى حجاله حيث البهجة والفرح  وعندما اشتهت ان تجلس تحت ظله أدخلها إلى "بيت الخمر" نعم لقد أدخلها قبلا إلى حجاله ثم أقتادها (كالراعي) إلى المراعي الدسمة حيث يرعى ويربض خرافه ثم تمتعت به (كالملك) متكئا على مائدته حيث أفاح ناردينها رائحته وهوذا هي ترى في "بيت الخمر" فكأنه لم يكتفي ان يشبعها ويلذذها من ثمرة شجرة التفاح فأدخلها إلى "بيت الخمر" لترتوي وتبتهج بثمر الكرمة (أي الخمر الروحي) فالمؤمن الحقيقي الذي يقدر البركات والعطايا الروحية حق قدرها "يعطي ويزداد".


وغنى عن البيان ان "بيت الخمر" إشارة إلى الفرح أو بالحري إلى مشاركة الرب نفسه في فرحه، والرسول يوحنا يوضح لنا ذلك إذ يرينا ابن الله المبارك معلنا مجده عندما حول الماء إلى خمر (يوحنا ٢)  وفي هذا الإنجيل عينه يحدثنا عن "الفرح الكامل" ، ذلك الفرح الذي أشار إليه الرب في صلاته لأجل تلاميذه "ليكون لهم فرحي كاملا فيهم" (يوحنا ١٧ / ١٣) "كلمتكم بهذا لكي يثبت فرحي فيكم ويكمل فرحكم" (يوحنا ١٥ / ١١) .


بيت الخمر هنا متمثلا في الكنيسة التي تقدم لنا جسد المسيح ودمه كسر فرح، المسيح أدخلني لعلاقة كلها فرح، أدخلني لأعماق حب الله. وتبدأ هنا العلاقة الشخصية مع الله ، ومن له هذه العلاقة والخبرة الشخصية مع عريسنا يمكنه أن يفرح في الكنيسة والقداسات. ومن لم يتذوق لذة هذه العلاقة الشخصية لن يمكنه أن يفرح في القداس. بل سيكون له القداس كممارسة روتينية "كما لقوم عادة" .

* * *

ولنلاحظ قول العروس "أدخلني" فهي تعترف بأنه هو الذي أدخلها إلى بيت الخمر أو بالحري أوجد فيه الرغبة الصادقة للوجود في الشركة المقدسة معه. لقد أمسك بيدها وقادها إلى "بيت الخمر" حيث نرى الله في ملء محبته التي لا حد لها.


* * *

 وعلمهُ فوقي محبة =

الصورة هنا أن العريس أخذ عروسته إلى داخل بيته ليعطيها أن تتذوق محبته التي كالخمر ووضع علمهُ فوق هذا البيت فما هو هذا العلم؟


1- علامة ملكية الله لهذه النفس.   


2- علامة حلوله في بيته الملكي (القلب) فحيثما يوجد الملك ترفع رايته.


3- علامة حمايته لهذا المكان فلا يستطيع أحد أن يعتدي على مكان مرفوع عليه علم ملك قوي.





5 أسندوني بأقراص الزبيب. أنعشوني بالتفاح، فإني مريضة حبا


 أسندوني بأقراص الزبيب = 

ان في "أقراص الزبيب" صورة رمزية لعمل الروح القدس وقوته التي تسند نفس المؤمن وتعضده ، وهذا واضح من كلمات الرب له المجد، فأنه قبيل ارتفاعه إلى السماء وعد تلاميذه بإرسال الروح القدس إليهم قائلا "لكنكم ستنالون قوة متى حل الروح القدس عليكم"( سفر أعمال الرسل ١ / ٨)  ولا ريب في ان الروح القدس "روح القوة والمحبة والنصح" (رسالة بولس الرسول الثانية إلى تيموثاوس ١ / ٧)  قد أتى من السماء وهو ساكن في كل المؤمنين الحقيقيين غير ان كل مؤمن في حاجة مستديمة إلى التسنيد والتعضيد بقوة الروح، وقد عرف الرسول بولس ذلك جيدا لذا كان يصلي لأجل القديسين في أفسس لكي يتأيدوا بالقوة بالروح القدس في الإنسان الباطن (رسالة بولس الرسول إلى أهل أفسس ٣ / ١٤ - ١٦) فهل نحني ركبنا نحن أيضا طالبين باستمرار من إلهنا وأبينا ان يؤيدنا بقوة روحه التي تسندنا وتعضدنا في عيشتنا لمجد الرب سيدنا وفي شركتنا المقدسة معه؟


كيف نثبت الكنيسة (العروس)  في المسيح (عريسها) ؟

إن الكنيسة تثبت في المسيح بالتناول من جسده ودمه "من ياكل جسدي ويشرب دمي يثبت فيَّ وانا فيه. 

كما ارسلني الآب الحي، وانا حي بالآب، فمن ياكلني فهو يحيا بي" (يوحنا ٦ / ٥٦ - ٥٧).  انها (الكنيسة) تريد أن تعرف المزيد عن حبه  وعن شخصه، . لذلك هي تطلب أن تدخل في الشركة معه والإتحاد به بالأكثر، والإتحاد به يفرح قلبه فلهذا هو تجسد وصلب وقام ، ليقدم نفسه ذبيحة حية نتحد به، وهي تطلب هذا الإتحاد لتفرح قلبه فهذا هو ما يريده. 

وهي تطلب التناول الذي يفتح عينيها على حبيبها أكثر فيعطها الأنعاش الروحي . 

 الزبيب نحصل منه على الخمر ويشير للدم. إما التفاح يشير للجسد.  . 


* * *


أنعشوني بالتفاح = 

ان في قول العروس "أنعشوني بالتفاح" إشارة إلى شعور المؤمن بحاجته إلى التغذية بالرب والشبع به إذ ليس شيء سواه يمكن ان يبهج النفس وينعشها. لقد عرفت العروس ان حبيبها "كالتفاح بين شجر الوعر" واشتهت ان تجلس تحت ظله، ولكنها لم تكتفي بهذه المعرفة ولا بمجرد الجلوس تحت ظله ، بل رغبت في التغذية به. ان قوة الحياة المسيحية في التلذذ بالرب والشبع به .


والتفاح هنا يشير للجسد الذي نأكله . الزبيب نحصل منه على الخمر ويشير للدم. والتفاح يشير للجسد.  


إن الإتحاد بالمسيح يعطينا معرفة أعمق ليست معرفة سطحية بل معرفة من خلال الإتحاد. وكلما ثبتنا فيه وإتحدنا به هو يفرح ، ونحن نفرح بالأكثر.


* * *


فإني مريضة حبا =

 أي ان محبته (محبة المسيح) غلبتني وأسرتني. 

هل وصلنا نحن المؤمنين إلى هذا المستوى الروحي العالي؟

ان كان الرب له المجد أحبنا حتى الموت فهل هو كثير ان نحبه ونتسامى ونتفانى في الحب لشخصه الكريم؟ 

ما أسعدنا حقا ان كنا نسمو في محبتنا للرب وتعلقنا به إلى هذا الحد حتى نختبر بالحق قول العروس "فأني مريضة حبا" ما أقدس هذا النوع من المرض. لقد تمتعت العروس بالشركة المقدسة مع عريسها المبارك "في بيت الخمر" فامتلأ قلبها فرحا به، وامتلك ذلك الفرح كل كيانها وكان كل جسدها الضعيف لم يقو على احتمال تعزياته الإلهي.


قصة للشرح :- طفل صغير كان يخاف من عمته المشوهة نتيجة حريق شوه وجهها ويديها. وكلما تأتى لزيارتهم يصرخ ويرفض رؤيتها. وحينما كبر هذا الطفل سأل عمته عن هذه التشوهات. فقالت له وأنت صغير إندلع حريق في المنزل ودخلت أنا وأنقذتك. فماذا تكون مشاعر هذا الشاب الذي أدرك أنه سبب هذا التشوه؟ بل كلما يذكر ما كان يعمله معها بينما كان صغيرا يدرك كم الآلام التي ألحقها بها. فكم تكون ألامه بل وحبه لمن أنقذت حياته؟ هذا معنى = إنى مريضة حبا أو مجروحة حبا





6 شماله تحت رأسي ويمينه تعانقني

شماله = 

هي يد العناية الإلهية التي تؤدب وتقطع فينا محبة الأرضيات والزمنيات. 


يمينه = 

هي يد النعمة التي تحتضن وسط الألم لتعزي وتترفق، وتعطينا أن نرى ونفرح بالسماويات فنشتاق إليها. 


الشمال تسمح بالتجربة وتسمح بالجرح، 

واليمين تعصب وتجذب للسماويات 

(الله سمح بشماله أن يلقي الثلاثة فتية في النار وبيمينه أتي وحل وسطهم). ولاحظ المنظر أننا في التجربة نحن في أحضان الله ، فالله يحيطنا بمحبته، ويعانقنا بكلتا يديه فمن يحبه الرب يؤدبه . 

إذًا فالتجربة هي علامة حب من الله .


ما أعجبك يا ربنا يسوع وما أعجب محبتك لنا وعطفك وحنانك علينا "طيب هو الرب للذين يترجونه لنفس التي تطلبه" 


عندما كان يوحنا الحبيب أسيرا منفيا في جزيرة بطمس "من أجل كلمة الله ومن أجل شهادة يسوع المسيح" ورأى الرب في جلاله الرهيب سقط عند رجليه كميت فوضع يده اليمنى عليه ، تلك هي اليد التي رآها يوحنا نفسه مثقوبة ومسمرة فوق الصليب، والتي رآها بعد ذلك مرفوعة بالبركة وقت صعوده إلى السماء ، وإذ وضع يسوع المسيح يمينه علي يوحنا فملأ قلبه سلاما وبدد كل مخاوفه بان أراه أنه وان كان له المجد قد مات ولكنه الآن حي إلى الأبد الأبدي (رؤيا ١).


ولقد أختبر يوحنا هذا "التلميذ الذي كان يسوع يحبه"  معنى قول العروس "شماله تحت رأسي ويمينه تعانقني" أي أنني وجدت راحتي واستقراري في حضن يسوع ، فقد كان يوحنا في وقت العشاء الأخير متكئا في حضن يسوع وعلى صدره (يوحنا ١٣ / ٢٣ - ٢٥)  .

وليتبارك اسم سيدنا وربنا يسوع لأنه "هو هو أمس واليوم وإلى الأبد" فان في حضن محبته  مكانا لكل واحد من خاصته، وهو يسير بنا إذ نتكئ على صدره لان هذا دليل الثقة الكاملة فيه وفي محبته الدائمة. أنه من امتياز كل مسيحي بالحق ان يختبر عمليا معنى قول العروس "شماله تحت رأسي ويمينه تعانقني"، فقد اختبر داود ما في من يمين الرب من بركة ومعونة ففاض قلبه مترنما "التصقت نفسي بك يمينك تعضدني"(مزمور ٦٣ / ٨) "وتجعل لي ترس خلاصك ويمينك تعضدني ولطفك يعظمني"(مزمور ١٨ / ٣٥) .

نعم ان يد الرب قوية ويمينه المرتفعة التي تحطم العدو هي التي تحنو على النفس الملتصقة به فتحتضنها ،  "بذراعه يجمع الحملان وفي حضنه يحملها" ويمتعها بغنى البركات الإلهية " في يمينك نعم إلى الأبد" (أشعياء ٤٠ / ١١ ،  مزمور ١٦ / ١١).


تبارك اسمك أيها الرب يسوع  يهوه المخلص، والعريس السماوي، رأس جسد الكنيسة، فأننا لن نجد لمحبتك حدودا أو مقاييس. أنها محبة لا نهائية ، "محبة المسيح الفائقة المعرفة"  ... 

ولن تجد النفس هنا أو في الأبدية شيئا تتمتع و تبتهج به أكثر من هذه المحبة. ما أجمل منظر العروس وهي تسند رأسها بين ذراعي عريسها المبارك وفي حضنه حيث الأمان و السلام والاستقرار الأبدي. ولا يوجد أسمى وأرفع من هذا المكان، كما أنه لا يليق ان نكون في مكان أقل أو أدنى منه.  ان محبة الرب التي تحضن قديسيه في زمان النعمة الحاضرة لا بد ان تحضن في زمان آت، وهو قريب بقية من شعبه الأرضي ...





7 أحلفكن يا بنات أورشليم بالظباء وبأيائل الحقول، ألا تيقظن ولا تنبهن الحبيب حتى يشاء

ما أسعد العروس بهذه العلاقة المقدسة التي صارت لها مع عريسها المحب ، فهوذا الروح القدس قد رسم أمامنا عروس الملك في ملء فرحها االذي سببه محبته الشديدة لها و الغير متغيرة ، وها هي تجد راحتها في حضنه ، وسعادتها في شخصه ،  فالكل إذا في المسيح ، و المسيح هو الكل و في الكل ، ولا شيء سوى المسيح، لذا تبدي العروس رغبتها في ان لا تزعجه .


الظباء وأيائل الحقول = 

الظباء والأيائل هي أكثر جميع الحيوانات حساسية وأكثرها انـزعاجا من أقل حركة تشعر بها، وهي تتميز بقدرة على السمع قوية بحيث ان همسة صوت خفيفة من بعيد تزعجها وتقطع عليها سكينتها فتبادر إلى الهرب وتركض مسرعة إلى حيث الأمن والسلامة. هكذا جدير بنا وجميل ان يكون لنا الإحساس الروحي الدقيق فنتنبه إلى أية همسة تقتحم علينا سيرنا وشركتنا مع الرب، أو تحولنا عن القداسة العملية والتكريس الكامل لسيدنا وربنا يسوع المسيح "اصحوا واسهروا" ( رسالة بطرس الرسول الأولى ٥ / ٨).


* * * 


لا تيقظن ولا تنبهن الحبيب = 

ما الذي يزعج عريسنا يسوع المسيح ؟ انها خطايانا وضعف إيماننا وعدم ثقتنا فيه وإضطرابنا لأي خبر مزعج، والخوف الذي يتسلل إلى قلوبنا أمام المشاكل حينما لا نجد لها حلولا ونتصور أن الله تأخر في حلها، بينما هو يعرف ويحدد الوقت المناسب للحل.


* * *


في الإشارة إلى "الظباء وأيائل الحقول" معاني روحية سامية، فالعروس تحلف بنات أورشليم بالظباء والأيائل أي بكل ما هو عزيز وغال عندهن ان لا يزعجن عريسها و حبيبها بعمل الخطايا ، فالخطايا هي التي تزعج و تفزع عريسها.


و علي الرغم من ان العروس هنا تحذر بنات اورشليم (ابناء و بنات الكنيسة) الأ يزعجن عريسها (يسوع المسيح) بعمل الخطايا لكنها تيقن جيدا ان الشيطان قد يخدع الجميع محاولا إظهار نفسه بأنه عدو قوى، و لكن عريسها اقوي ، فهو قد غلب الشيطان ، و هي تثق في قوة عريسها (يسوع المسيح) القادر أن يرى الشيطان (عدو الكنيسة و عدو ابنائها) من بعيد ويسحقه. (هذه مواصفات العريس وراجع تفسير الآية 9 من نفس هذا الإصحاح :  حبيبي هو شبيه بالظبي أو بغفر الأيائل. هوذا واقف وراء حائطنا، يتطلع من الكوى، يوصوص من الشبابيك).


* * *


بالتأكيد، هذه العبارة لا يمكن أن تنطبق على الحب الجسداني، إذ كيف تطلب الحبيبة من صديقاتها ألا ييقظن الحبيب؟! وهل هذا هو عملهن؟! لكنها صورة رائعة للكنيسة الأم التي تطلب من أبنائها "بنات أورشليم" أن يبقين في احضان الله ، ولا يزعجن الرب المستريح في قلوبهم بارتكابهن شرًا أو خطية! أنه صوت الكنيسة الأم تجاه كل نفس مؤمنة تدعى "ابنة أورشليم" تتطلع إلى أورشليم السمائية كأم لها، تحلفها بقوى حقلها الداخلي الذي باركه الرب! (تكوين ٢٧ / ٢٧)، إذ هي فلاحة الرب  أن تبقى محتضنة الحب الإلهي الساكن فيها.


و هنا نسمع  صوت الكنيسة عروس المسيح و هي تدعو أولادها إلي التوبة و ألا يزعجن المسيح ليظل مستريحا في قلوبهم. 

هذه دعوة الكنيسة "لا تحزنوا الروح" . 

هذا صوت الكنيسة عروس المسيح أو النفس التي تحيا في فرح مع المسيح، وتشتهى أن يعرف الجميع المسيح العريس حقا، ويحبونه ويملكونه على قلوبهم، فتكمل فرحة العريس المسيح  لأنه بذلك لن يهلك أحد ممن دفع  يسوع المسيح دمه ثمنا ليخلصه.


العروس في فرحتها بعريسها تشتهى أن ترى عريسها فرحا. فكما يريد العريس أن يرى عروسه فرحة ويسعى لكي يفرحها، هي أيضًا تريد أن تراه فرحا. وهنا تريد العروس الكنيسة أن يفرح عريسها بكنيسته التي تحبه بالحق وتفهم ما بذله لأجلها .


ونلاحظ أن تعزية النفس وفرحها هو إنعكاس لفرح المسيح العريس بالنفس عروسه. فحين يفرح الله بالنفس ينعكس فرحه عليها فتفرح. والله يفرحه أن يرى أولاده في فرح، فالله خلقنا لنفرح (جنة عدْنْ تعنى الفرح).


ونلاحظ أنه في البدء خلق الله آدم في جنة الفرح (عَدْنْ كلمة عبرية وتعنى فرح). فكان آدم يحيا في فرح وذلك حين كانت المحبة متبادلة - أي عندما كان آدم يحب الله و كان الله يحب آدم .

 وكما أن المحبة كانت متبادلة فهكذا كان الفرح متبادل ايضا بين الله وآدم. الله يفرح بفرح آدم وآدم يفرح بفرح الله. 

بل أن المحبة الحقيقية تتضح في أن فرحة المحب هي في أن يرى الفرح في عيني من يحبه. والعكس ،  فما يضايق المحب ويزعجه هو أن يرى من يحبه في حالة ضيق، ولذلك يقول الكتاب عن الله المحب للبشر "في كل ضيقهم تضايق" .


* * * 


ولعله أيضًا هنا صوت الكنيسة الموجه إلى جماعة اليهود "بنات أورشليم" التي رأت المسيا نائمًا على الصليب، مدفونًا في القبر و انكرت الايمان به ، إنه وإن ظهر كما في ضعف لكنه قام في اليوم الثالث. لقد نام على الصليب بإرادته، وقام أيضًا بإرادته، إذ يقول:

"ليّ سلطان أن أضعها وليّ سلطان أن آخذها"، لكن بكل أسف رفض اليهود قبول السيد المسيح المصلوب منتظرين مسيحًا حسب أهواء قلوبهم.


* * * 


وهذه الآية - كما قلنا سابقا - لا يمكن فهمها حرفياً، أي بين عروس وعريسها من أهل العالم، فهل عمل بنات أورشليم أي صاحبات العروس أن يدخلن للعريس ليوقظوه، وهل العروس هي التي تطلب هذا. وأحيانا تطلب ألاّ يوقظوه كما هو الحال هنا.


* * *


ملحوظة : لقد تكررت هذه الأية ثلاث مرات تقريبا في سفر نشيد الانشاد :


 سفر نشيد الأنشاد ٢ / ٧

أُحَلِّفُكُنَّ يَا بَنَاتِ أُورُشَلِيمَ بِالظِّبَاءِ وَبِأَيَائِلِ الْحُقُولِ، أَلاَّ تُيَقِّظْنَ وَلاَ تُنَبِّهْنَ الْحَبِيبَ حَتَّى يَشَاءَ.


 سفر نشيد الأنشاد ٣ / ٥

أُحَلِّفُكُنَّ يَا بَنَاتِ أُورُشَلِيمَ بِالظِّبَاءِ وَبِأَيَائِلِ الْحَقْلِ، أَلاَّ تُيَقِّظْنَ وَلاَ تُنَبِّهْنَ الْحَبِيبَ حَتَّى يَشَاءَ.


 سفر نشيد الأنشاد ٨ / ٤

أُحَلِّفُكُنَّ يَا بَنَاتِ أُورُشَلِيمَ أَلاَّ تُيَقِّظْنَ وَلاَ تُنَبِّهْنَ الْحَبِيبَ حَتَّى يَشَاءَ.





8 صوت حبيبي. هوذا آت طافرا على الجبال، قافزا على التلال



صوت حبيبي = 

ان ما يميز خراف المسيح عمن ليسوا من خرافه هو أن خرافه  "تعرف صوته" (يوحنا ١٠ / ٤) "خرافي تسمع صوتي وأنا اعرفها فتتبعني"(يوحنا ١٠ / ٢٧ )  ، "وأما الغريب فلا تتبعه بل تهرب منه لأنها لا تعرف صوت الغرباء" (يوحنا ١٠ / ٥) ...


ومع ان العريس لم يكن قد أتى بعد ليأخذ عروسه إليه، ولكن العروس في شركتها المقدسة معه تسمع صوته فيمتلئ قلبها "فرحا من أجل صوت العريس" فتهتف على الفور "صوت حبيبي". حقا ما أغبط النفس التي تجلس عند قدمي العريس المبارك "لتسمع كلامه" و تكون معه.


* * * 


عندما أظهر الرب المقام ذاته لمريم المجدلية التي كانت واقفة عند القبر تبكي وقال لها "يا مريم" عرفته وعرفت صوته وقالت له "ربوني"، وكذلك عندما أظهر ذاته لبعض تلاميذه عند بحر طبرية، وتحدث إليهم، قال يوحنا  "التلميذ الذي كان يسوع يحبه" والذي كانت له شركة خاصة معه  : "هو الرب" (إنجيل يوحنا  ٢١ / ٧) .  ما أحوجنا حقا إلى شركة أعمق معه حتى تكون لنا "الحواس مدربة" على الإصغاء إلى صوت الحبيب، فأنه بقدر ما تزداد شركة خاصته معه ومحبتها له بحيث تستطيع ان تقول بحق "حبيبي" بقدر ما تجد سرورها وغبطتها في سماع صوته الحلو.


* * * 


"هوذا آت" =

ومع ان العريس لم يأت بعد كما سلفت الإشارة إلا ان قلب العروس قد امتلأ شوقا إليه، وحنينا إلى لقائه، ويقينا بان مجيئه أصبح قريبا جدا. هذا الحنين وهذا اليقين هما بعمل الروح القدس الساكن فينا ، و  "الروح والعروس يقولان تعال"  (سفر رؤيا يوحنا اللاهوتي ٢٢ / ١٧)  وهو له المجد يجيب على حنين القلوب المشتاقة إليه فيقول :  "أنا أصل وذرية داود. كوكب الصبح المنير. . . أنا آتي سريعا" (سفر رؤيا يوحنا اللاهوتي ٢٢ / ١٦ - ٢٠) ، و "لأنه بعد قليل جدا سيأتي الآتي ولا يبطيء" ،  لا يمكن ان يتباطأ الرب عن وعده، وان كان قد مضى ما يقرب من ألفي سنة من وقت ان وعد الرب "أنا آتي سريعا" ولكن لا يفوتنا ان يوما واحدا عند الرب كألف سنة وألف سنة كيوم واحد"  فكأن مدة غيابه في السماء هي عنده كيومين فقط، .


* * *


طافرا على الجبال قافزا على التلال = 

الجبال الآن هي العهد الجديد والتلال هي العهد القديم. وتترنم النفس "رفعت عينيَّ إلى الجبال من حيث يأتي عوني" وتتأمل في الكتاب المقدس كلمة الله فينكشف لها المسيح كلمة الله، وأنه يحبها وأعد لها مكانًا، وأنه آتٍ ليأخذها للمجد، والنفس مشتاقة ليوم يأتي عريسها ليأخذها فتقول مع القديس يوحنا "آمين تعال أيها الرب يسوع".


إن كانت الكنيسة قد تعرفت على كلمة الله المتجسد خلال شريعة العهد القديم والنبوات، فقد جاء الحديث هنا بمثابة دعوة موجهه لكل نفس لكي ترتفع بالروح القدس على جبال الكتاب المقدس لتلتقي هناك بالخطيب القادم يخطب مخطوبته. لهذا يقول المرتل: "أساساته في الجبال المقدسة"، "رفعت عيني إلى الجبال من حيث يأتي عونيّ" (مزمور ١٢١ / ١).


نلاحظ أنه في العهد القديم كانت النفس تشتهى مجيء يسوع  المسيح للخلاص . وفي العهد الجديد النفس التي تسمع صوت دعوة يسوع المسيح تشتهى الخلاص من خطيئتها وعبوديتها لتتعزى بقربها من المسيح . وكلما تقترب من يسوع المسيح تنفتح عيناها على الأمجاد المعدة فتشتهى المجئ الثاني لتنظر هذه  الأمجاد التي قال عنها النشيد "جبال الأطياب" (نشيد الانشاد ٨ / ١٤).


سيجيء العريس لاختطاف الكنيسة عروسه السماوية ، و لإنقاذ عروسه الأرضية البقية المختارة وخلاصها من ضيقها والإتيان بها إلى الغبطة والبركة في ملكه الألفي المجيد، سيتميز بثلاثة أشياء: الفرح والسرعة والنصرة. نعم فأنه عندما تجيء تلك اللحظة التي فيها سيجئ ليأخذ عروسه لتكون معه سيرى في ملء الفرح والابتهاج إذ ستراه العروس طافرا مثل الظبي المسرور بلقاء حبيبته  "لان الرب نفسه بهتاف (الفرح) بصوت رئيس ملائكته وبوق الله سوف ينـزل من السماء. . وهكذا نكون كل حين مع الرب" ( رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل تسالونيكي ٤ / ١٧)  وسيكون مجيئه مقترنا بالسرعة "طافرا (أي واثبا بسرعة)  وقافزا" وهذا حق سواء من جهة مجيئه لأجل قديسيه، الأمر الذي يؤكده الرب نفسه مرارا عديدة "ها أنا آتي سريعا" (رؤيا يوحنا ٢٢ / ٧ + ١٢ + ٢٠) .


قد جاء ظافرًا على الجبال، قافزًا على التلال ليدخل بخطيبته إلى قوة القيامة، أي لتقبل الحياة الجديدة التي صارت لها في المسيح يسوع، وكما يقول الرسول بولس: "أقامنا معه في السمويات" (أفسس ٢ / ٦).





9 حبيبي هو شبيه بالظبي أو بغفر الأيائل. هوذا واقف وراء حائطنا، يتطلع من الكوى، يوصوص من الشبابيك


حبيبي هو شبيه بالظبي أو بغفر الأيائل =

يُشبه السيد المسيح بالظبي (الغزال)، وكلمة "ظبي" في العبرية تعني "جمال"، فقد جاء السيد المسيح يطلب يد البشرية التي أفسدتها الخطية وشوهت طبيعتها الداخلية وجمالها الروحي، ليتحد بها فيسكب جماله عليها. وقد لخص الرب هذا العمل الخلاصي العجيب في حديث عتاب مع البشرية، جاء فيه : 

"َمَرَرْتُ بِكِ وَرَأَيْتُكِ مَدُوسَةً بِدَمِكِ فَقُلْتُ لَكِ بِدَمِكِ عِيشِي.... جَعَلْتُكِ رَبْوَةً كَنَبَاتِ الْحَقْلِ، فَرَبَوْتِ وَبَلَغْتِ زِينَةَ الأَزْيَانِ. نَهَدَ ثَدْيَاكِ وَنَبَتَ شَعْرُكِ، وَقَدْ كُنْتِ عُرْيَانَةً وَعَارِيَةً. فَمَرَرْتُ بِكِ وَرَأَيْتُكِ وَإِذَا زَمَنُكِ زَمَنُ الْحُبِّ. فَبَسَطْتُ ذَيْلِي عَلَيْكِ وَسَتَرْتُ عَوْرَتَكِ وَحَلَفْتُ لَكِ وَدَخَلْتُ مَعَكِ فِي عَهْدٍ يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ، فَصِرْتِ لِيّ. فَحَمَّمْتُكِ بالْمَاءِ وَغَسَلْتُ عَنْكِ دِمَاءَكِ وَمَسَحْتُكِ بالزَّيْتِ، وَأَلْبَسْتُكِ مُطَرَّزَةً، وَنَعَلْتُكِ بِالتُّخَسِ، وَأَزَّرْتُكِ بِالْكَتَّانِ، وَكَسَوْتُكِ بَزًّا، وَحَلَّيْتُكِ بِالْحُلِيِّ، فَوَضَعْتُ أَسْوِرَةً فِي يَدَيْكِ وَطَوْقًا فِي عُنُقِكِ، وَوَضَعْتُ خِزَأمَةً فِي أَنْفِكِ وَأَقْرَاطًا فِي أُذُنَيْكِ، وَتَاجَ جَمَالٍ عَلَى رَأْسِكِ. فَتَحَلَّيْتِ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَلِبَاسُكِ الْكَتَّانُ وَالْبَزُّ وَالْمُطَرَّزُ. وَأَكَلْتِ السَّمِيذَ وَالْعَسَلَ وَالزَّيْتَ وَجَمُلْتِ جِدًّا جِدًّا فَصَلُحْتِ لِمَمْلَكَةٍ. وَخَرَجَ لَكِ اسْمٌ فِي الأُمَمِ لِجَمَالِكِ لأَنَّهُ كَانَ كَأمِلًا بِبَهَائِي الَّذِي جَعَلْتُهُ عَلَيْكِ يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ" (حزقيال ١٦ /  ٦ - ١٤).  

حقًا ما أروعه حديث من الرب المخلص نحو الكنيسة التي ضمها إليه بعد أن مرّ عليها فوجدها ملقاة في الطريق عارية ومدوسة بدمها، فقدسها بالتمام. بسط ذيله عليها، أي خطبها عروسًا له، وستر بدمه عارها وعريها، غسلها بماء المعمودية ومسحها بدهن الميرون، وألبسها حياته، وأعطاها إنجيله سرّ خلاصها، زينها بأعمال الروح القدس، ووضع نيره المقدس كالطوق في عنقها، وأفاح برائحته الذكية تشتمها أنفها، وقدس أذنيها وجملهما بسماع الوعود الإلهية والتسابيح السماوية، وأشبعها بالخبز السماوي وباختصار جعلها "جميلة جدًا جدًا" فاستحقت أن تكون ملكة، تعكس بهاء المخلص في حياتها.


بمعنى آخر جاءنا الرب "كظبي" ليجعل منا ظبية جميلة وكاملة تقدر أن تعيش في المرتفعات (السمويات)، كقول المرتل: "الذي يجعل رجلي كاملة كرجلي الظبي، وعلى مرتفعات يقيمني".


* * * 


ايضا لا ننسي أن "الظبي" معروف بحدة إبصاره،  فهل يقدر أحد أن يرى كما يرى يسوع المسيح؟  إن يسوع المسيح وحده الذي هو يرى الآب و يعرفه و يسوع المسيح وحده هو الذي يري و يعرف ما بقلوبنا  .

إنه وإن قيل عن أنقياء القلب أنهم يعاينون الله، لكنهم يرونه من خلال إعلان يسوع المسيح لهم (يوحنا ٦ / ٦ ، متي ٥ / ٨ ). 

يُقارن المسيح بالظبي أو الغزال إذ ليس فقط يرى الآب، بل يجعله منظورًا بالنسبة للذين يهب نظرهم شفاءً. لكن، يليق بك ألاَّ تأخذ الحديث عن "رؤية الآب" بأي فهم جسداني، أو تظن أن الله كأنه منظور. فإن الله لا يُرى ببصيرة جسدية، بل ببصيرة الذهن والروح... أخيرًا، فإنه يهب الذين يعطيهم قوة الإبصار لله روح المعرفة وروح الحكمة، حتى أنهم بهذا الروح يعاينون الله، لهذا أخبر تلاميذه : "من رآني فقد رأى الآب" (يوحنا ١٤ / ٩).


* * *


يُعرف الظبي والآيل بسرعة المشي ، فأن كلمة الله المتجسد، بعد سقوط الانسان و قبوله للخطيئة ، إنما أسرع بتهيئة الخلاص، و جري نحونا حتى نزل إلينا في ملء الزمان، هو أسرع إلينا قبل أن نطلبه أو نبحث عنه.


* * *


حسب الشريعة الموسوية، كان الظبي والآيل من الحيوانات المقدسة، أكلهما محللًا (تثنية  ٢١ / ٢٢ + ١٤ / ٥)... لهذا أختير التشبيه بالظبي والآيل، لأن الخاطب وهو يمد يده لعروسه، يقدم جسده ودمه الأقدسين مهرًا لها، سرّ تقديسها وأبديتها.!


* * *


حبيبي هو شبيه بالظبي أو بغفر الأيائل = 

أما تشبيهه بصغار الآيل فهو تأكيد للتجسد، فإن الله غير المحدود قد صار طفلًا بتجسده مخليًا ذاته عن كل شيء من أجلنا.


وقد جاء ظافرًا على الجبال، قافزًا على التلال ليدخل بخطيبته إلى قوة القيامة، أي لتقبل الحياة الجديدة التي صارت لها في المسيح يسوع، وكما يقول الرسول بولس: "أقامنا معه في السمويات" (أفسس ٢ / ٦).


* * *


هوذا واقف وراء حائطنا، يتطلع من الكوى =

 ان "حائطنا" هنا إشارة إلى حالتنا الحاضرة،  فما يبدو في حياتنا من فتور وتغافل أو انحراف وفقر روحي وهو بمثابة الحائط الذي يضعف تمتعنا بطلعته البهية الطاهرة، ولكنه تبارك اسمه "هوذا (هو) واقف وراء حائطنا"، وعين الإيمان البسيطة والقلب المليء بالمحبة له يستطيعان ان يريا من "لا يرى". فهل لنا الآذان المختونة لنسمع صوته "صوت حبيبي"  ؟ هل لنا العيون المفتوحة لنراه واقفا قريبا منا وناظرا إلينا. "هو واقف وراء حائطنا يتطلع"؟  فهل نصغي إلى صوته الذي ينادينا هأنذا واقف على الباب وأقرع ان سمع أحد صوتي وفتح الباب أدخل إليه وأتعشى معه وهو معي"(رؤيا يوحنا ٣ / ٢٠).


* * *


هوذا واقف وراء حائطنا = قد تعني ايضا أن حبيبنا (يسوع المسيح) جاء الينا حاملًا طبيعتنا الإنسانية ومختفيًا وراء حائطنا الإنساني أي الجسد (هوذا واقف وراء الحائط) . 


نزل المخلص إلينا يطلبنا عروسًا له ، جاءنا من السماء ونزل حتى إلى حائطنا الذي أقمناه بعصياننا لله. جاء إلى الحجاب الذي فصلنا عن قدس أقداس الله ووقف وراءه يعمل ويجاهد حتى الدم، فحطمه، وفتح لنا طريقًا سماويًا نسير فيه. نحن أقمنا الحجاب، فصرنا عاجزين عن الصعود إليه، لهذا نزل هو إلينا، وعلى الصليب انشق حجاب الهيكل، لكي يشرق لنا بقيامته خلال الكوى والشبابيك التي صنعها بنفسه. حائطنا يشير إلى طبيعتنا البشرية، فقد نزل إلينا يسوع المسيح مختفيًا وراء بشريتنا حتى لا نرتعب منه أو نخافه، بل لنقبله ونحب الاتحاد به.


* * *


هوذا واقف وراء حائطنا، يتطلع من الكوى = قد تكون هذه العبارات أيضا وصفا لحالة المؤمنين في العهد القديم ، عهد الناموس ، فأنه لم يكن لهم امتياز النظر إلى مجد الرب بوجه مكشوف. كانوا يرونه من خلال كوى الرموز والطقوس والفرائض، ولقد كان الحجاب بمثابة الحائط الذي من ورائه ينظر الرب إلى أنبيائه و قديسيه في ذلك العهد، ومع أنهم كانوا بلا شك مؤمنين حقيقيين إلا أنه لم يكن لهم نور الإنجيل ولا معرفة الخلاص الكامل الذي بالمسيح يسوع ، ذلك الخلاص الذي بحث عنه الأنبياء في العهد القديم الذين تنبأوا عن النعمة التي لأجلنا . . .


وقد أوضح الرب الفرق الكبير بين ما رآه وسمعه أنبياء و قديسو العهد القديم وما رأته وسمعته خاصته إذ "ألتفت إلى التلاميذ على أفراد وقال طوبى للعيون التي تنظر ما تنظرونه. لأني أقول لكم ان أنبياء كثيرين وملوكا أرادوا ان ينظروا ما أنتم تنظرون ولم ينظروا وان يسمعوا ما أنتم تسمعون ولم يسمعوا" (لوقا ١٠ / ٢٣ - ٢٤).

* * *


يتطلع من الكوى، يوصوص من الشبابيك =


يتطلع من الكوي = 

أي يظهر نفسه من خلال شبابيك ضيقة. 


ويوصوص من الشبابيك = 

يوصوص أي يعمل خرقًا في الستر بمقدار عين تنظر منه. فهو أظهر مجد لاهوته من خلال جسده الإنساني بقدر ما يحتمل الإنسان وكان ذلك مثلًا في التجلي وفي سلطانه على كل شيء (الطبيعة والشيطان والأمراض والموت بل وفي الخلق فهو خلق عينين للمولود أعمى)، وفي النهاية قام هو من الموت. فرأينا  مجده . 

ولكن في الدهر الآتي سنراه كما هو ، إذًا في التجلي كان المسيح يوصوص ويظهر لاهوته بمقدار بسيط. شبيه بالظبي= عين الظبي حادة. وغفر الأيائل= أي الأيائل الصغيرة. وهذه تشتهر بأنها سريعة. ترى الحيات من بعيد فتجري إليها وتدوسها بأقدامها، وبسبب هذه المعركة تعطش فتجري فرحة لمجاري المياه لتشرب (مزمور ٤٢ / ١ ). 

وكل هذا يشير لعمل السيد المسيح الذي تجسد وصار طفلًا (غفر الأيائل) ليدوس على عدونا الشيطان (الحية القديمة) ويعطينا الماء الحي الروح القدس، الذي يشرب منه لا يعطش أبدًا. وهو لا يحكم بحسب المظهر بل هو يعرف كل شيء (النظر القوي) بل هو فاحص القلوب والكلى. بل أعطانا نفس السلطان، أن ندوس على الحيات والعقارب، ونرى السماويات ونشتاق إليها، ونرى خداعات الخطية فنهرب منها.


* * * 


تعتبر الأسفار المقدسة بمثابة الكوى والشبابيك، فما تضمنه من مواعيد ورموز وذبائح وتقدمات ونبؤات هي قوة إلهية والتي منها يمكننا رؤية الحبيب، و بواسطتها يعلن هو ذاته لكل قلب متيقظ وعين مفتوحة ، وأنه من خلال تلك الكوى يمكن ان ترى عيون اتقيائه - بالإيمان - ثياب المجد والجلال المسربل بهما وتراه كحمل الله المرفوع على صليب الجلجثة، وكالملك الممسوح في أمجاد ملكه العتيد.





10 أجاب حبيبي وقال لي: قومي يا حبيبتي، يا جميلتي وتعالي

ما أحلاك يا ربنا يسوع  المسيح وما أحلى محبتك لعروسك التي دفعت فيها ثمنا غاليا :  دمك الكريم. 

لقد انسكبت النعمة على شفتيك وها أنت تخاطب عروسك قائلا "يا حبيبتي يا جميلتي" أليس عجيبا ان يرى الرب عروسه جميلة؟ أنه يرى كل مؤمن حقيقي جميلا حقا في عينيه، ومع أنه صار "فيه" لقد أصبح "مقبولا في المحبوب".  والإيمان وحده هو الذي أعطي المحبوب(ة)  كل هذا الجمال، فقد "اعتمد للمسيح". هذا هو جمال المؤمن فهو جميل وحلو في عين يسوع المسيح. ولا ريب في ان جمال كهذا ليس فيه إي عيب أو نقص لان المسيح نفسه هو الذي به قد اكتسى المؤمن و جعله يتسربل به "لبستم المسيح". أنه له المجد هو "الحلة الأولى" التي لبسها المؤمن في بيت الآب (لوقا ١٥) هذا هو تعليم الإنجيل الذي يتغنى به العريس هنا. حقا ما أجمل التوافق والانسجام بين الأناجيل وسفر النشيد.


ترى العروس هنا  مكان الحب والإعزاز، فهي ترى في حجال الملك وفي بيت الخمر وبين ذراعيه (أقرب مكان إلى قلبه)  مكانتها عنده ، و هي تتمتع بمحبة العريس في كل كمالاته بحسب أفكاره وقصده الإلهي، إلا أننا نرى هنا وفي أجزاء كثيرة من هذا السفر ان محبي المسيح لا يتمتعون دائما بملء هذه المحبة بالقدر الذي يريده لهم يسوع المسيح ، لهذا يتحدث يسوع إليهم (هم كنيسته عروسه) كثيرا ويريهم المكان الذي لهم في قلبه بحسب أفكاره الطيبة وذلك لكي يصل بهم إلى أسمى حالة من التمتع بمحبته فيقول "قومي يا حبيبتي. . وتعالي" وبذا يحثها بان تضع قلبها وعواطفها على ما فوق حيث هو، وان تثبت بصرها لا في الأمور الوقتية التي ترى بل إلى الأمور الأبدية التي لا ترى، وأنها بعمل الروح القدس الساكن فيها تتحقق من ان طريقها هو الي السمويات، وأنها أقيمت مع المسيح المقام والممجد، وأنه أجلست في السمويات فيه، وأنها ليست من هذا العالم ولكنها أرسلت من الرب سيدها وعريسها في إرسالية إلهية، وان بيتها ووطنها هما فوق "قومي. . . وتعالي" فليس هو وقت التراخي والنوم بل الوقت لطلب الرب، لذلك يقول "أستيقظ أيها النائم وقم من الأموات فيضيء لك المسيح"(أفسس ٥ / ١٤).


 * * *


ونري ايضا هنا الدعوة للقيامة و هي دعوة موجهة للعالم كله... لليهود والأمم، فإن شجرة التين تُشير إلى الشريعة، فبنزول الكلمة إلى العالم لم تعد تُفهم الشريعة خلال الحرف القاتل بل أُعطى لنا أن نفهمها روحيًا...


 * * *


ايضا هذه الآية موجهة لكل نفس بدأت تتعرف على المسيح، من خلال الكتاب المقدس أو كلمة الله عمومًا، وبدأ المسيح يكلمها ، لكنها مازالت مترددة وخائفة شاعرة أنها ضعيفة وأن الخطية أقوى منها. هنا نجد العريس يطمئن عروسه، بأن تجسده أعطاها قيامة ونصرة على الخطية، هو يبشرها "ثقي أنا قد غلبت العالم" فتعالي وتذوقي حياة القيامة. قومي فبداية الطريق القيامة من موت الخطية (أفسس ٥ / ١٤ + رومية ١٣ / ١١). وتَعَاَليْ= إرجعي إليَّ.






11 لأن الشتاء قد مضى، والمطر مر وزال


الشتاء = قد يشير إلي :

نهاية العهد القديم وظهور العهد الجديد شمس البر.


* * *


الشتاء = قد يشير إلي انه  : 

إن كانت برودة الشتاء الوثنية قد حولت الإنسان إلى حجر، فإن الكلمة الإلهي "شمس العدل" قد أشرق محولًا الحجر الصقيع إلى مياه دافئة، كقول المرتل: "المحول الصخرة إلى غدران مياه، الصوان إلى ينابيع مياه"، لقد أخرج من الحجارة أولادًا لإبراهيم (متي ٣ / ٩).


لقد انتهى فصل الشتاء القارص البرد وجاء الربيع بدفئه. 

ففي الشتاء كان الإنسان في برودة الوثنية ، التي حولت طبيعته المتغيرة إلى طبيعة الأشياء الجامدة التي كان يتعبد لها. كان الذين يتطلعون إلى عبادة الأوثان يتحولون هم أنفسهم إلى ذات الأشياء التي ينظرون إليها، فيصيرون حجارة لا بشر. بتعبدهم للأوثان صاروا حجرًا غير متحرك وغير قادر على التقدم... و لكن عندما تطلعوا إلي الله الحقيقي تقبلوا سمات الطبيعة الإلهية داخلهم، و أشرق "شمس الله" في هذا الشتاء القارص وحل الربيع. فأزال الله هذا الجمود، وبظهور أشعة الشمس ساد الدفء على كل من سقطت عليه الأشعة... 


* * *


الشتاء = قد يشير إلي :

التجارب محيطة بالنفس ، و التي تنسي تعزيات الرب . 

إن النفس الواثقة في عريسها  (يسوع المسيح) و التي تثق أنه صانع الخيرات تحيا حياة التسليم في يد من أحبها و أحبته، تفرح بالتعزيات. والتسليم معناه أن ما يسمح به الله هو للخير (رومية ٨ / ٢٨). 

والشتاء مضى = هذه تعنى هنا أن النفس تصالحت مع الله وفهمت أنه صانع خيرات وأن التجارب كانت للتنقية فكفت عن التذمر على الله.


* * * 


الشتاء= قد يشير إلي :

الشتاء الداخلي أي برودة المشاعر "تركت النفس محبتها الأولى" (رؤيا ٢ / ٤) وبرودة المشاعر هذه أتت نتيجة عواصف الشهوات وإضطرابات الرذائل. 

ونهاية الشتاء تشير لرجوع النفس للمسيح بالتوبة وقطعا حسب وعد الله فهو يقبل النفس التائبة . ويصبح الشتاء مضى إشارة لإنتهاء غضب السماء على هذه النفس.


والمطر= يشير هنا للأوحال والزوابع

لكن لاحظ ايضا أن الأمطار تشير للروح القدس إذا أتت من عند الله. بينما هنا تشير للملذات العالمية التي يعطيها رئيس هذا العالم. والتي تجعل النفس تسقط في طين هذا العالم مبتعدة عن الله. 

ولكن النفس التي عرفت المسيح ما عادت تضطرب بكل رياح تعاليم غريبة ولا تنجذب للشهوات الخاطئة. و يسوع المسيح يدعو كل نفس... كفاك بروداً بعيداً عني، فلقد جئت لأصالحك على الآب.





12 الزهور ظهرت في الأرض. بلغ أوان القضب، وصوت اليمامة سمع في أرضنا

أنه لتغير عجيب ومبارك تجريه محبة الرب ونعمته، فهو له المجد يدعو عروسه لان تقوم وتأتي إليه تاركة وراءها برودة وخمول الشتاء حيث تتمتع في رفقته بربيع غني بالزهور وبالمراعي الدسمة. أنه بالروح القدس يجعل الحياة الضعيفة والهزيلة قوية ونشيطة وممتلئة أثمار صالحة "لان ثمر الروح هو في كل صلاح وبر وحق" (أفسس ٥ / ٩) "واما ثمر الروح فهو محبة فرح سلام طوال أناة لطف صلاح إيمان وداعة تعفف"(غلاطية ٥ / ٢٢)  فأصغي يا عروس الرب إلى صوت حبيبك الذي يدعوك "قومي. . تعالي لان الشتاء قد مضى والمطر مر وزال. الزهور ظهرت في الأرض".


 الأرض= 

الأرض ترمز للجسد المأخوذ من تراب الأرض و الذي به الروح العتيقة التي سيطرت عليها الخطيئة .


الزهور ظهرت في الأرض =

الزهور ترمز إلي ثمار الروح القدس التي تمنح الانسان فضائل داخلية و تعطيه القوة ليغلب الخطيئة . ولكن لتظهر الثمار فإنها تحتاج لعمل آخر و هو :


أوان القضب = 

القضب هو تقليم الكرم (نفوس المؤمنين) ، أن الأشجار على اختلاف أنواعها تُفهم في الكنيسة بوجه عام كرمز لنفوس المؤمنين، إذ كتب عنهم: "كل غرس لم يغرسه أبي السماوي يُقلع" (متي  ١٥ / ١٣).  

تقليم الكرم يُشير إلى الصلب والألم...


التقليم هو قص بعض الأوراق فتذهب العصارة لباقى الفروع بطريقة أكثر فتتقوى وتخرج ثمارا أفضل. بصليب التجارب تقوي النفس و الروح  فتظهر ثمار الروح القدس فينا . وهذا هو نفس ما قاله الرب يسوع "كل غصن فيَّ لا يأتي بثمر ينزعه، وكل ما يأتي بثمر ينقيه ليأتي بثمر أكثر" (يوحنا ١٥ / ٢) والتنقية تعنى هنا التقليم. تقليم الكرم ينزع عن الانسان الأفكار الجسدانية الزمنية حتى يأتي بثمر روحي أكثر يحمل سمات سماوية!  بالصليب و تحمل الامه ينفصل الانسان عن الشتاء و برودته القارصة ليدخل إلى ربيع الحياة الجديدة المقامة في المسيح يسوع.


إذن يوجد في النفس التينة التي تخرج فجها كما توجد الكرمة التي تخرج قعالها وتفيح رائحتها الطيبة. أما صاحب الفلاحة فهو الأب السماوي، الذي يُقلم الكرمة حتى تأتي بثمر أكثر (يوحنا ١٥ / ١)


* * * 


ويمكن أيضًا أن نرى هنا الدعوة للقيامة موجهة للعالم كله... لليهود والأمم، فإن شجرة التين تُشير إلى الشريعة، فبنزول الكلمة إلى العالم لم تعد تُفهم الشريعة خلال الحرف القاتل بل أُعطى لنا أن نفهمها روحيًا...


* * *


بلغ أوان القضب وصوت اليمامة سمع في أرضنا =

إذا كان المقصود بالقضب هو قطع أغصان الكرمة الجافة في بدء فصل الربيع، ففي ذلك تحذير خطير لغير المؤمنين فقد شبه الرب ذاته بالكرمة الحقيقية، والمؤمنين هم الأغصان الحية التي تأتي بثمر، أما المسيحيون بالاسم فهم الأغصان الميتة غير المثمرة، وان الآب الذي هو الكرام يميز بين هذه وتلك، فالأغصان الميتة التي لا تأتي بثمر يطرحها خارجا فتجف وتطرح في النار فتحترق (يوحنا ١٥) وفي هذا إنذار خطير وصريح لكل المسيحيين بالاسم الذين لا حياة ولا ثمر فيهم حتى يبادروا بالإتيان إلى المخلص الكريم بالإيمان القلبي به وبكيفية عمله فوق الصليب وبالاتحاد به ينالون حياة جديدة مثمرة لمجد الله. ليت كل شخص بعيد عن المخلص يقرأ هذه الكلمات يسرع إلى المخلص الوحيد للنجاة والحياة قبل فوات الفرصة.


كما ان في هذا التعبير درسا نافعا للمؤمن الحقيقي. فالآب السماوي - الكرام  - ينقي كل غصن حي ومثمر لكي يأتي بثمر أكثر. أنه  له المجد يعمل بوسائله الإلهية المتنوعة : التعليم والإنذار والتوبيخ، والتأديب المؤلم إذا لزم الأمر وذلك لتنقية حياتنا من كل ما يعطل نمونا الروحي ويعيق الإكثار من الثمر، وإذ ينقي ويطهر حياتنا من كل معطل لنموها تمتلئ قلوبنا شبعا وفرحا وتسبيحا.


* * * 


وصوت اليمامة سمع في أرضنا  =

في هذا الربيع الذي صنعه الرب (بقيامته) و بحلول الروح القدس في حياتنا الداخلية ، نري كل مظاهر الحياة تعود من جديد للنفس و الروح البشرية . فلا يمكن للنفس البشرية أن تتبع الحبيب وتسير في طريق الكمال ما لم يكن الشتاء قد زال. والمقصود بالشتاء الاضطرابات الشخصية وعواصف الرذائل فلا تعود تهتز بعواصف الشهوات . 





13 التينة أخرجت فجها، وقعال الكروم تفيح رائحتها. قومي يا حبيبتي، يا جميلتي وتعالي


التينة أخرجت فجها = 


الفج = 

براعم ثمار التين. 


القعال = 

الحصرم وهو العنب في بدايته. 



التينة أخرجت فجها، وقعال الكروم تفيح رائحتها =

ان ظهور زهور الربيع، وغناء العصافير، وصوت اليمامة، والتينة والكروم التي بدأت تظهر ثمارها ورائحتها ، هذه كلها تتحدث إلى قلوبنا نحن عن امتيازات وبركات وفيرة، لنا ان نتمتع بها الآن في شركتنا مع المسيح وهو تبارك اسمه يدعونا بان نقوم ونأتي إليه لنتمتع بما أعدته لنا نعمته الغنية "بغنى المسيح الذي لا يستقصى" وان كلمة العريس ودعوته للعروس بان تقوم وتأتي إليه لواضحة وصريحة . 


ان الرب يسوع يدعونا لمشاهدة مناظر الربيع السماوية  لنرى ونتمتع بأزهار الربيع الروحية ونستنشق عبيقها العطري، لنشبع بالثمار الشهية الدسمة في شركة مقدسة معه "لان أمامه شبع سرور.


أننا إذ خلصنا من شتاء الموت الروحي وأتى بنا الرب مخلصنا إلى ربيع النعمة الغنية واهبا لنا حياة جديدة، فأنه يريدنا ان نكون أغصانا مثمرة لمجده وان تفيح رائحة المسيح الذكية في حياتنا. أنه يريدنا ان تكون حياتنا شهادة قوية أمام العالم لغنى نعمته _ شهادة جذابة للنفوس البعيدة. ان العالم، ولا سيما في هذه الأيام في حاجة إلى رؤية ثمار النعمة المجيدة وإلى إظهار رائحة صفات المسيح العطرية في سلوكنا وعيشتنا أكثر من حاجته إلى سماع مجرد أقوال دينية جوفاء. فلتكن سيرتنا وتصرفاتنا دليلا قويا على صدق أقوالنا وشهادتنا. علينا ان نحيا "كما يليق بالتعليم الصحيح" وبذا نـزين تعليم مخلصنا الله في كل شيء (رسالة بولس الرسول الثانية إلى تيموثاوس ٢).


* * * 


 فالكنيسة بدأت إثمارها ومعنى الآية أن النفس أو الكنيسة بمجيء المسيح وتعرفها عليه، بعد أن كانت شجرة ميتة بدأت تظهر فيها الثمار (الكنيسة بمجيء المسيح صارت مثمرة، وكل نفس تتعرف على المسيح تصير مثمرة). 


ولاحظ الترتيب :

قومي = اتركي موت الخطية

يا حبيبتي = من يسمع الوصية يحبه الله .

يا حمامتي = امتلاء بالروح ورجوع النفس للثبات في المسيح.


وأيضًا هنا نرى أهمية القضب. فالثمار ظهرت بعد القضب المذكور في آية (١٢).


* * * 


قومي يا حبيبتي يا جميلتي وتعالي =

سبق العريس وقال للعروس في آية (١٠) قُومِي يَا حَبِيبَتِي، يَا جَمِيلَتِي وَتَعَالَيْ فلماذا يكررها هنا ثانية؟ في المرة الأولى كانت النفس ما زالت في الخطية، ورجعت وإستجابت لدعوة العريس لها "قومى". ثم جاء القضب (آية ١٢)  وهو التجارب التي بها تكمل النفس وتنضج فتثمر ثمرا جيدا. وعادة نجد النفس في بداية علاقتها بعريسها يسوع المسيح تخور إذا وقعت في تجربة وقد ترجع لخطيتها في يأس. وقد تصدق عدو الخير إذ يكذب عليها ويقول أن عريسها قاسٍ إذ سمح بهذه التجربة. وتحتاج النفس في هذه الحالة لصوت عريسها يشجعها ويأخذ بيدها ويقول لها قومى فأنت حبيبتى وأرجعى إليَّ، فأنا لم أرفضك بسبب الخطية بل ما زلت في نظري جميلتى.


حقا ما أعظم محبة الرب وصلاحه. ما أطيبه، وما أعظم صبره وطول أناته علينا "ذوقوا وانظروا ما أطيب الرب" نعم أنه يعرف جبلتنا و أننا تراب . أنه يعرف حاجتنا إلى الحث المتواصل والإنهاض المستمر، فهوذا هو يكرر نفس الكلمات التي قالها سابقا لعروسه (آية ١٠) فهو لم يكتف بتوجيه الدعوة إليها مرة واحدة . أنه لا يمل من موالاة النصح والإرشاد المرة تلو المرة لإنهاض حياتنا الروحية، وبلغة الحب الصادق والإعزاز الكلي يدعونا لان نستيقظ من نومنا ونقوم من رقادنا ونأتي إليه فنخرج  من جو الشتاء البارد والمؤذي للصحة الروحية، فننعم بالدفء والبهجة وراحة القلب وهنائه "تعالوا إلي . . . فتجدوا راحة لنفوسكم".


أفلا نصغي  إلى صوت الحبيب الذي يدعونا للخروج إليه لنتمتع بنشاط الحياة الروحية؟ (في يوحنا ١٠ / ٢٢) . الرب المبارك يقول "أما أنا فقد أتيت لتكون لهم حياة وليكون لهم أفضل" وأنه هو الذي يعطي خرافه حياة أبدية (يوحنا ١) هذا هو الربيع الإلهي المبارك الذي يدعو الرب خاصته للتمتع بثماره الشهية، وأننا في إتياننا إلى هذه الربوع لنا كل المكسب ، لقد كان لنا "الشتاء"  أما الآن فنحن ننعم بالربيع و"التينة أخرجت فجها وقعال الكوم تفيح رائحتها".


*  *  * 


 تنطبق هذه الآية ايضا علي الشعب اليهودي فمن خلال هذه لآية يكلم الله ايضا الشعب اليهودي ، ذلك الشعب الأرضي الذي تدور حوله نبوات العهد القديم ، و الذي مرت عليه أجيال طوال و هو في شتاء التشتيت في كل ممالك الأرض بسبب شرورهم وارتدادهم عن الله الحي ولا سيما لخطيتهم المروعة ، خطية رفض المسيا ملكهم وصلبه إذ قبلوا ان يكون دمه عليهم وعلى أولادهم، ولكن ذلك الشتاء لابد ان ينقضي، وقد أشار الرب إلى ذلك في كلماته الصريحة "فمن شجرة التين تعلموا المثل متى صار غصنها رخصا وأخرجت أورقها تعلمون ان الصيف قريب. هكذا أنتم أيضا متى رأيتم هذا كله فأعلموا أنه قريب على الأبواب. الحق أقول لكم لا يمضي هذا الجيل حتى يكون هذا كله.  السماء والأرض تزولان ولكن كلامي لا يزول" (متي ٢٤ / ٣٢ - ٣٥). ان كلمة الله الصادقة تعلن بكل وضوح بان ذلك الشعب سيجوز أولا في "ضيق" الذي لم يكن مثله منذ أبتدأ العالم إلى الآن ولن يكون، ولكن لأجل المختارين (من ذلك الشعب الأرضي) تقصر تلك الأيام وعندئذ يتمتعون بالبركة التي وعد بها الآباء على ان رجاءنا - رجاء الكنيسة السماوي - سيتحقق قبل كل هذه الأحداث، لان الرب سيأتينا كالعريس السماوي ،  وان كنا نرى في أيامنا هذه مقدمات أو بالحري بوادر تلك الحوادث فبالأحري بنا ان نصحو ونسهر لان مجيء الرب أصبح قريبا جدا.


وفي ذلك إشارة إلى عودة الحياة الروحية مستقبلا إلى ذلك الشعب الذي نحاه الله عنه بسبب عصيانه وأصبح في حالة الموت الروحي "هكذا قال الرب لهذه العظام. هأنذا أدخل فيكم روحا فتحيون. . .. وتعلمون أني أنا الرب. . . ثم قال لي يا ابن آدم هذه العظام هي كل بيت إسرائيل. ها هم يقولون يبست عظامنا وهلك رجاؤنا. قد انقطعنا. لذلك تنبأ وقل لهم هكذا قال السيد الرب: هأنذا افتح قبوركم وأصعدكم من قبوركم يا شعبي. . . واجعل روحي فيكم فتحيون واجعلكم في أرضكم فتعلمون أني أنا الرب تكلمت وأفعل يقول الرب"(حزقيال ٣٧).





14 يا حمامتي في محاجئ الصخر، في ستر المعاقل، أريني وجهك، أسمعيني صوتك، لأن صوتك لطيف ووجهك جميل



 يا حمامتي =

في الآية السابقة دعي الرب عروسه (كنيسته / النفس البشرية)  أن تقوم من خطيتها أو عثرتها أو يأسها. وهنا يعطيها طريق الأمان وهو الإحتماء به بل فيه.


هنا يناجي الرب عروسه (الكنيسة / النفس البشرية)  : "يا حمامتي"  ، بهذا يخاطب العريس حبيبته لأنه يراها كذلك، فهي وان كانت في ذاتها لا تخلو من العيب واللوم ولكنه في نعمته الغنية ومحبته الفائقة يراها طاهرة كالحمامة، ولا عيب فيها.


يا حمامتي في محاجئ (الشقوق) الصخر في ستر المعاقل (الحصون) أريني وجهك. أسمعيني صوتك. لأن صوتك لطيف ووجهك جميل".


* * * 


في محاجئ الصخر، في ستر المعاقل =


المحاجئ = 

نقر/ شقوق في الصخر


الصخر = 

المسيح صخرتنا نختبئ فيه كما اختفى موسى في نقرة الصخرة ليرى مجد الله. والنقرة تشير لجنبه المطعون. 


والإشارة هنا لنوع من الحمام يختبئ في الصخور العالية ويسمى حمام الصخور. والنفس هنا مشبهة بحمامة لأنها تختبئ في بيتها الذي هو المسيح صخرتها. 

ولاحظ في الآية (١٢) قال عنها يمامة إذ إعتزلت شرور العالم ونجدها هنا تختفي في يسوع المسيح.


المعاقل =

الجرف أو منحدر صخرى شاهق.   


ستر المعاقل = 

ستر جاءت في الإنجليزية الأماكن السرية ، والمعنى أننا في العالم بإغراءاته نحن معرضين للسقوط والإنحدار ، والمسيح يقدم نفسه كحصن وصخرة نلتجئ له ونحتمي فيه. وهو يستر علينا إن كنا نلجأ له ويكون لنا معه علاقة في المخدع، فيها يعلن لنا السماويات فنحبها. ونزهد في إغراءات الأماكن المنحدرة .  


مع ان الحمامة ضعيفة في ذاتها ، ضعيفة جدا، وليس في طوقها ان تحمي نفسها من أذى الكواسر أو الطيور الجارحة ولكنها وجدت خلاصها ونجاتها وأمنها في محاجىء الصخر، في جراحات المسيح ، الصخر الثابت الذي لا يتزعزع. هناك تستقر النفس هادئة وهانئة في حمى ذلك الجنب المطعون، وهناك تجد مكانا أمينا في ذلك القلب الكبير ،  قلب المحبة الإلهية بحيث لا يستطيع أجناد الظلمة وقوات الجحيم المرعبة ان تسقط شعرة  واحدة من شعرها، لان واحدا من هؤلاء الأعداء لن يصل إلى شق الصخر حيث تختبئ حمامة المسيح. أنها في أعالي الصخر،  في المسيح الذي هو الآن فوق جميع السموات بحيث لا يستطيع رئيس سلطان الهواء وكل أجناد الشر ان تحلق لتصل إليها، فهي (أي الحمامة ، عروس الرب)  تشبه طائفة الوبار التي هي "طائفة ضعيفة ولكنها تضع بيوتها في الصخر" ،  ومع ان واجبها ان تستقر في كل حين في حمى ذلك الصخر ولكن أمنها ليس متوقفا على مبلغ قوتها و انما علي تمسكها بالرب صخرها، وإلا لهلكت لا محالة، قوة المسيح هي التي تحميها وتصونها وترعاها، وهل يمكن للرب المبارك ان يسلم للوحش نفس يمامته؟ كلا فلقد قال مؤكدا "أعطيها حياة أبدية ولن تهلك إلى الأبد ولا يخطفها أحد من يدي. أبي الذي أعطاني أياها هو أعظم من الكل ولا يقدر أحد ان يخطف من يد أبي" (يوحنا ١٠ / ٢٨ - ٢٩) .


في المرة الأولى العريس (يسوع المسيح)  يدعو عروسه (الكنيسة / النفس البشرية) أن تقوم وتأتي إليه: "قومي... وتعالي"، أما الآن فهو يدعوها أن تخرج من بيتها ومن مدينتها وتنطلق إلى محاجئ الصخر إلى ستر المعاقل. فإذ مضى وقت الشتاء الذي فيه أغلقت العروس على ذاتها، يلزمها الآن أن تخرج وتنطلق ليس فقط عن شهوات الجسد الشريرة بل وعن العالم المنظور كله... إنه يدعوها للقاء معه داخل الحصون الأبدية غير المنظورة! ... 


لم تكن العروس في محاجىء الصخر ،   في ذلك الجنب المطعون فقط، مكان الحماية والأمن ولكنها كانت أيضا في "ستر المعاقل" ،  مكان الشركة السرية ، إذ صار لها حق الاقتراب إلى الأقداس السماوية  "لان به لنا كلينا قدوما في روح واحد إلى الآب" (أفسس ٢ / ١٨)  "فإذ لنا أيها الأخوة ثقة بالدخول إلى الأقداس بدم يسوع.  لنتقدم بقلب صادق في يقين الإيمان. . . " (رسالة بولس الرسول إلى العبرانيين ١٠ / ١٩ - ٢٢) "واما أنت فمتى صليت فأدخل إلى مخدعك وأغلق بابك (أي في ستر المعاقل) وصلّ إلى أبيك الذي في الخفاء، فأبوك الذي يرى في الخفاء يجازيك" . 


إن العريس هنا يطلب من عروسه ليس فقط أن تخرج من ذاتها ومن العالم المنظور بل بالحري أن تدخل إلى المسيح نفسه، الصخرة الحقيقية.


لقد تحدث داود عن هذه الصخرة بطريقة مجازية أخرى في المزمور: "أقام على صخرة رجلي، ثبت خطواتي" (مزمور ٤٠ / ٢).  لا تعجب إن كانت الصخرة بالنسبة لداود كأنها أرض أو أساس تسير عليها النفس نحو الله، وهي بالنسبة لسليمان الغطاء الذي يُقام على النفس لتتمتع بأسرار الحكمة الداخلية، فإن السيد المسيح نفسه هو الطريق (يوحنا  ١٤ / ٦) الذي يسير فيه المؤمنون.


بنفس الطريقة جاء قول الله لموسى: "إنيّ أضعك في نقرة من الصخرة فتنظر ورائي" (سفر الخروج  ٣٣ / ٢٢ - ٢٣) . و هذه الصخرة هي يسوع المسيح.


* * *


أما إذا اعتبرنا ان المقصود بستر المعاقل الدرج السري (كما في الحاشية السفلية) ربما كان في ذلك إشارة إلى الغرفات التي بناها سليمان الملك حول حيطان الهيكل، وكانت مكونة من ثلاث طبقات ، كانت كل طبقة أكثر اتساعا من الطبقة التي تحتها ، وكان الصعود إلى الغرفات الوسطى والعليا بدرج منعطف من الداخل (أي الدرج لم يكن يرى من الخارج. (سفر الملوك الأول ٦)  ففي الشركة السرية ترتقي النفس إلى أدراك أعلى، واختبار أسمى لمحبة المسيح، وتتسع طاقتها الروحية في التمتع به أو في السجود والخدمة له.


* * *


أريني وجهك = 

هنا تحت غطاء الصخرة يدعو كلمة الله النفس البشرية حبيبته للدخول إلى حصنه / قلبه ، وهو ما يعني الدخول إلي الأمور الأبدية غير المنظورة. هناك يقول لها : لا تديري لي ظهرك كشعب يهوذا في العهد القديم (سفر إرميا ٢/ ٢٧)  بل إثبتى فيَّ  ، "أَرِينِي وَجْهَكِ". فإنه بالتأكيد لا يوجد بعد أثر للقناع القديم الذي كان على وجهها بل صار لها أن تتأمل مجد الله بغير خوف قائلة: "ورأينا مجده مثل مجد ابن وحيد لأبيه مملوء نعمة وحقًا" (يوحنا ١ / ١٤).. 


اسمعيني صوتك = 

كم يفرح الله بصلاتنا وتسابيحنا. وجهك جميل= يحمل صورة المسيح.


لأن صوتك لطيف ووجهك جميل =

يدعو الرب الحبيب عروسه بان تأتي إليه ليرى وجهها الجميل في عينيه وليسمع صوتها اللطيف، وهل هناك تعبير أعمق وأقوى من هذا الذي يعبر به العريس عن محبتة  لعروسه وإعجابه بجمالها وبصوتها العذب سواء أكانت العروس السماوية ، الكنيسة التي هي جسده ، أم العروس الأرضية التي هي البقية التقية من يهوذا و التي ستأتي اليه في اخر الازمنة .

ولكي يتسنى لنا فهم كلمة الله فهما صحيحا يجب ان نميز في نور هذه الكلمة بين ما هو أرضي وما هو سماوي، بين دعوة شعبه القديم الأرضية، ودعوة الكنيسة السماوية. ان هذه الكلمة ترينا بكل وضوح ان الرب سوف يعني بشعبه الأرضي، وان عروس الملك "المسيا" (هوشع ٢ / ١٤ - ٢٠) ،  أورشليم الأرضية ستكون مركز المجد والبركة الأرضيين، كما ان الكنيسة أو أورشليم السماوية هي عروس الخروف (رؤيا يوحنا ٢١ / ٢ )  "حمل الله" الذي تألم مرة ليكفر عن خطايانا، أما الآن فهو المسيح الممجد السماوي إذا فأورشليم عروس، والكنيسة عروس، ويجب ان يراعى ان هذا اللقب "عروس" هو تعبير رمزي للدلالة على العاطفة والمحبة والوحدة، لان مركز العروس ومكانها هو دائما إلى جانب العريس، وعلى هذا ستأخذ العروس الأرضية  ، البقية المعبر عنها بأورشليم مكانها بجواره في المجد الأرضي "جعلت الملكة عن يمينك" (مزمور ٤٥) كما ان الكنيسة ، العروس السماوية ستأخذ مكانها إلى جانبه في المجد السماوي، فأنها إذ اعترفت به ربا وسيدا عندما ينكره و يرفضه  الكثيرين ستكون أقرب إليه وأعز لقلبه . من هذا يتبين ان مجد الملكوت العتيد له وجهان : سماوي وأرضي "لتدبير ملء الأزمنة ليجمع كل شيء في المسيح ما في السموات وما على الأرض في ذاك"(أفسس ١ / ١٠) أعني ان كل قوة وبركة ومجد في الدائرتين سوف تتركز في المسيح.


ان نصيب الشعب الأرضي هو بركات زمنية في أرض بهية وخصبة أما نحن فنصيبنا كل بركة روحية في السماويات (أفسس ١).  أورشليم الأرضية ستكون مركز المجد الأرضي والبركة الأرضية. ستكون المدينة الملكية، عاصمة الأرض كلها، وعن طريقها تتبارك أمم الأرض "لأنه من صهيون تخرج الشريعة ومن أورشليم كلمة الرب" (أشعياء ٢ / ٣) أما أورشليم العليا ، العروس السماوية فستكون مركز المجد السماوي. مجد الله ينيرها والخروف سراجها (رؤيا يوحنا ٢١ / ٢٣). 





15 خذوا لنا الثعالب، الثعالب الصغار المفسدة الكروم، لأن كرومنا قد أقعلت




(ملحوظة : نسخ الكتاب المقدس التي كتبت فوق الايات من هو المتكلم وضحت ان المتكلم هنا في :  الاصحاح الثاني من سفر نشيد الانشاد ، عدد ١٥ ، هم الاصدقاء و ليست العروس ... لذا قد يختلف الشرح ، ندعوك للبحث)





خذوا لنا الثعالب = 

خُذُوا (أمسكوا) لَنَا الثَّعَالِبَ الثَّعَالِبَ الصِّغَارَ الْمُفْسِدَةَ الْكُرُومِ.


هنا خداع جديد يلجأ له عدو الخير ليجذبنا بعيدا عن المسيح، ألا وهو الخطايا. فالخطايا تفسد الفرح تمامًا، فالفرح راجع لوجود المسيح فينا وفرحته بنا .  فمن يرتد لطريق الخطية يخسر وجود المسيح فيه.  فلا شركة للنور مع الظلمة"  . فالخطية إذاً تسبب الانفصال عن المسيح. وهنا يفقد الإنسان فرحه ، ففرح الإنسان هو إنعكاس لفرح المسيح به. وقد يكون قول الثعالب الثعالب الصغار أن المقصود بالثعالب الأولى الخطايا عموما، والمقصود بالثعالب الصغار الخطايا التي تبدو صغيرة. وهناك خداع شيطاني بأن الله يتغاضى عن الخطايا الصغيرة، ويتساهل معها.


"فالثعالب الصغار" التي تزحف بكل خفة، فلا يشعر بها أحد، تفسد الكروم التي أقلعت (أي ظهرت أغصانها الطرية وبدأت تظهرها ثمارها) وما أكثر "الثعالب الصغار". ان خطايا كثيرة ومتنوعة تبدو كأنها بسيطة وصغيرة ولكنها تستطيع ان تسلب من المؤمنين تعزياتهم وبهجة خلاصهم وتهدم كيانهم الروحي، فليست الخطايا التي تحسب كبيرة وبغيضة هي وحدها التي تؤذي الحياة الروحية، بل ان هناك آلافا من الأمور التي نظن أنها بريئة ولا ضرر من ورائها و لكنها في الحقيقة  تعطل حياة المؤمنين الروحية ، فالأصدقاء قد يبدوا ظرفاء احيانا و لكن مجاراتهم في مبادئهم العالمية والتمشي معهم في ميولهم الأجتماعية أو السياسية احيانا و التي قد تكون غير سوية  والاشتراك معهم في منتدياتهم الرياضية الغير اخلاقية  أو ما شاكل ذلك، كما ان الروابط الجسدية والعائلية أو الدخول تحت نير مع غير المؤمنين سواء في العلاقات الزوجية أو غير ذلك، قد تمثل كل هذه وغيرها كثير من "الثعالب الصغار" التي لا نلتفت إليها وإلى خطرها إلا عند ما يتنبه القلب ليرى أنه قد فقد فرحه في الرب وان هذه الأشياء قد ملكت عليه بدلا من الإصغاء إلى صوت الحبيب. فليحذر كل مسيحي حقيقي ولا سيما المؤمنين الأحداث من "الثعالب الصغار" فأنها تفسد الكروم الغضة. حذار من الخطية المحيطة بك بسهولة. لا تعطي إبليس مكانا أو منفذا إلى نفسك أو بالحري أحفظ قلبك مغلق ضد الخطية مهما كان نوعها فان فكرا شريرا أو نظرة دنسة أو كلمة هزل، أو أي كلمة عاطلة أو غير ذلك مما تحسبه خطايا صغيرة هي كالثعالب الصغار التي تفسد حياتك الروحية.


الثعالب الثعالب الصغار =

في تكراره كلمة "الثعالب" تحذير منها، إذ هي تزحف بخفة وتدخل من الثقوب الصغيرة لتفسد الكرم في بدء نموه... بهذا تفسد كميات ضخمة من الثمار المقبلة، فمع صغرها تفسد نمو الإنسان ونضوجه.


* * *


 إن أخذنا هذا التحذير موجهًا من السيد المسيح إلى المؤمن أو النفس التي ترتبط بمسيحها فإن هذه الثعالب الصغيرة قد تكون خطايا نحسبها هينة كالكذب الأبيض أو الهزل... وقد تكون أصدقاء ظرفاء أو كتبًا معينة أو مكانًا معينًا... لهذا يليق بنا أن نحفظ كل أبوابنا الداخلية مغلقة تجاه أي ثعلب صغير، ممتنعين عن كل شبه شر.



أيضًا قد تكون الثعالب الصغيرة هي التعاليم الفاسدة والهرطقات. وهى إشارة إلى مقاومة المعلمين المنحرفين. ويجب مقاومة التعاليم الفاسدة وهى بعد صغيرة ومبتدئة.  أن هذه الثعالب الصغيرة [هي قوى الشياطين المضادة التي تُحطم زهور الفضائل في النفس وتبدد ثمر الإيمان خلال الأفكار الفاسدة والمفاهيم المضللة التي تبثه


* * * 


تفسد الكروم = 

أي تجعل النفس تخسر سلامها وفرحها. بعد أن كانت ثمار الروح (فرح..) قد ظهرت. وهذه دائما نتائج الخطية، أن الفرح يختفي من حياة الإنسان، كما تسببت الخطية في خروج آدم من جنة عَدْنْ (وكلمة عَدْنْ كلمة عبرية تعنى الفرح). والخمر يؤخذ من الكروم، والخمر يرمز للفرح.





16 حبيبي لي وأنا له. الراعي بين السوسن


رأينا مما تقدم كيف ان العريس يدعو عروسه المحبوبة والجميلة "يا حبيبتي يا جميلتي" بان تقوم وتأتي إليه وان تريه وجهها الجميل وتسمعه صوتها اللطيف، كما رأينا حرصه على سلامتها من أذى "الثعالب الصغار" وهوذا هي تلبي دعوته فتتحدث بيقين كامل عن امتلاكها لمن هو غرض وشبع قلبها "حبيبي لي" ، و هي تراعي هذه الحقيقة الجوهرية وهي ان ربنا يسوع المسيح هو هبة الله المجانية لكل من يؤمن به لأنه "هكذا أحب الله العالم حتى بذل (أي أعطى) ابنه الوحيد. . " ومن امتياز كل مؤمن حقيقي لا ان ينال غفرانا لخطاياه وخلاصا كاملا وأبديا فقط بل ان يمتلك المخلص نفسه ، ان يكون يسوع المسيح له موضوع هنائه وشبع نفسه، فأنه وان كان الخلاص هبة إلهية غالية "خلاصا هذا مقداره" (رسالة بولس الرسول إلى العبرانيين ٢ / ٣)  ولكن المخلص نفسه ، يسوع المسيح الحبيب ، هو "عطية الله التي لا يعبر عنها" ، العطية التي تملأ النفس فرحا لا ينطق به  و "تبتهج روحي بالله مخلصي" ولقد كانت هذه غاية يسوع المسيح نفسه لأجله المجد في بذل حياته فوق الصليب ، "أحب المسيح الكنيسة وأسلم (أي أعطى) " ( رسالة بولس الرسول إلى أهل أفسس ٥ / ٢٥) .  ان هذا عمل روح القدس الساكن فينا ان يمتعنا بالمسيح كنصيبنا وكغرض قلوبنا ". . ليحل المسيح بالإيمان في قلوبكم" وهل هناك في السماء أو على الأرض ما يعادل امتلاك المسيح. ان النفس التي امتلكت المسيح ترى ان كل الأشياء سواه ، مهما كانت جذابة للعين الطبيعية ، ان هي إلا "نفاية" .  أننا عندما نتحقق بان ربنا يسوع المسيح هو نصيبنا الأبدي ، النصيب الصالح الذي لا ينـزع منا فلابد ان هذا اليقين يقودنا إلى تكريس الحياة له "لان محبة المسيح تحصرنا".


حبيبي لي =

يسوع المسيح لي ، هو حبيبي الآن في الحياة الحاضرة فقد غسلني من خطاياي بدمه وألبسني برا إلهيا. هو لي لكي أنظر إليه وأتفرس في جماله. هو لي ليعتني بي في زمان غربتي ،  كما أنه لي في المجد الأبدي ،  ولابد ان يأتي ليأخذني إليه حيث أكون معه كل حين ، "حبيبي لي" أني أحبه .  ولكن لا فضل لي في محبتي له ، أني أحبه لأنه هو أحبني أولا. 


وأنا له =

يا لها من علاقة حبية مقدسة ونقية هذه العلاقة المتبادلة بين العريس وعروسه ، فكما أنه جميل وملذ ان تعرف العروس ان حبيبها لها ،  لها في الزمان وفي الأبدية ،  لها بكل كمالاته وأمجاده وغناه الذي لا يستقصى، فأنه جميل أيضا ان تعرف أنها هي أيضا له ، له وحده وليست لذاتها ولا لشيء سواه. أننا له لأنه خالقنا "هو صنعنا ونحن له"(مزمور ١٠٠ / ٣) "إذ هو يعطي الجميع حياة ونفسا وكل شيء. . . لأننا به نحيا ونتحرك ونوجد" (سفر أعمال الرسل ١٧ / ٢٨)  وأكثر من ذلك فأننا له لأنه اشترانا بثمن غالي وثمين "بدم كريم كما من حمل بلا عيب ولا دنس دم المسيح" ( رسالة بطرس الرسول الأولى ١ / ١٩) ". . . لستم لأنفسكم لأنكم قد اشتريتم بثمن" ( رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس ٦ / ١٩ - ٢٠) .  

نعم جميل ان تعرف العروس بأنها لحبيبها، و معرفتها هذه ليست وهمية لأنه طالما أكد لها هذه الحقيقة المباركة مرارا وتكرارا "يا حبيبتي، يا جميلتي، يا حمامتي،" وهي استنادا على كلمته الصادقة  أيقنت أنها ملك له ، أو ليس جميل ان يعرف المسيحي الحقيقي أنه ليس تابعا لأحد غير يسوع المسيح مهما سما قدره ؟  

* * * 


الخلاصة :

حبيبي لي=

النفس هنا اكتشفت ما قدمه المسيح عريسها لها، فهو قدَّم نفسه لها. فقالت

وأنا له = 

وما أحلى أن تُقَدَّم النفس كلها لله، يقدم الإنسان نفسه لله. المسيح قدم جسده لعروسه وهي تقدم له جسدها ذبيحة حية 

وأنا له الراعي بين السوسن= 

إذا إجتمع اثنين أو ثلاثة بإسمي فأنا أكون في وسطهم. ولاحظ أن الكنيسة صارت "سوسن" مثل عريسها، فهي صارت على شبهه.


* * * 


(حبيبي لي وأنا له). الراعي بين السوسن  =

لا ننسي ان في أول هذا الإصحاح الثاني تكلم العريس عن نفسه "كسوسنة الأودية" (الزنبقة) .. 

و هنا تصفه عروسه "كالراعي بين السوسن" ، صار هنا الراعي (السوسن)  بين السوسن. وكأن كل الذين أحبوه صاروا هم ايضا سوسنا!! وكأن العروس (الكنيسة / النفس البشرية) هنا تقول لعريسها (يسوع المسيح) : أيها السوسنة المتألمة، لقد أثمرت شجرة صليبك اتحادًا عجيبًا فجعلت منا نحن أيضًا "سوسن" على مثالك.. إن النفس التي أحبتك صارت على مثالك، وكنيستك حملت سماتك وشاركتك حتى في اسمك" (كنيسة يسوع المسيح) !!






17 إلى أن يفيح النهار وتنهزم الظلال، ارجع وأشبه يا حبيبي الظبي أو غفر الأيائل على الجبال المشعبة


إذ دخلت النفس وليمة العرس الإلهي وتذوقت قيامة الرب في حياتها أي اختبرت القيامة الأولى قيامة النفس من موت الخطية اشتهت القيامة الثانية وقيامة الجسد في مجيء الرب الأخير، فصارت تستعطف العريس قائلة "ارجع يا حبيبي".. إنها وكأنها تقول له: في مجيئك الأول كنت وراء حائطنا ولم أعرفك. ولكن الآن عرفتك أنت كالظبي والأيل الصغير فصارت لي كخبرة معك. وأقول نعم تعال أيها الرب يسوع فإني أريد أن أعيش معك إلى الأبد..


في هذه المرة هي لا تريد من وراء الحائط بل علانية على السحاب في النهار الجديد.


إلى أن يفيح النهار وتنهزم الظلال =

بمجيئه الأول وتمتعها بشركة آلامه وتعرفها على قيامته تحول ليلها إلى نهار جديد. فالرب قد جعلنا "أبناء نور وأبناء نهار، ليس من ليل ولا ظلمة.  


وإذ ندخل إلى وليمة القيامة نسمع الله يردد "بسطت يدي طول النهار" (أشعياء ٦٥ / ٢). أي أن الآب قد بسط يديه بالحب خلال صليب الابن يريد أن يضم حتى الشعب المعاند.


إننا بالقيامة الأولى ندخل إلى النهار الجديد، لكننا نرفع أعيننا إلى القيامة الأخيرة ومجيء الرب الأخير نرى كأن حياتنا في ظلال تنتظر النهار الأبدي فنفرح معترفين بضعفنا "إلى أن يفيح النهار وتنهزم الظلال"، نراه آتيًا على الجبال المشبعة المملوءة ضيقًا، لكي يهزم ظلال الزمن ويدخل بنا إلى النهار الذي ليس فيه ليل الذي وصفه يوحنا في الرؤيا "ولا يكون ليل هناك ولا يحتاجون إلى سراج ونور الشمس، لأن الرب الإله ينير عليهم وهم سيملكون إلى أبد الآبدين" (رؤيا يوحنا ٢٢ / ٥)


 * * *


لقد سما إيمان العروس بعريسها وثقتها به حتى أنها في وسط آلامها استطاعت ان تراه بالإيمان وان تتمتع به وبرعايته لها "الراعي بين السوسن" إلا ان نفسها كانت تتوق إلى شيء أسمى _ إلى يوم مجده، عندما "يفيح النهار وتنهزم الظلال". لقد أعلن الرب ذاته (في رؤيا يوحنا ٢٢)  بأنه  "كوكب الصبح المنير" وأنه "آت سريعا"  فإذا يأتي لا يبقى لظلام الليل ولا لظلال أثر في ما بعد. أننا نراه الآن بالإيمان لكن  حينما سيأتي سنرى عريسنا المبارك "وجها لوجه"  ،  سنراه "كما هو". هذا هو  رجاء الكنيسة عروس الرب ،  ولكن "إلى أن" يبزغ  فجر ذلك اليوم  تطلب العروس إلى عريسها وحبيبها الذي أرتفع إلى السماء بان يظهر ذاته لها ويشعرها بحضوره معها "أرجع. . . يا حبيبي".  أنها تحن إلى التمتع بعشرته السعيدة وبمحبته المنعشة لنفسها، فهي لا تكتفي بمجيء عريسها ليأخذها إليه ولكنها تصبو إلى التمتع به وهي هنا فوق الأرض إلى ان يفيح النهار وتنهزم الظلال. ذلك هو الإيمان الحي، الرجاء المبارك.


* * *


وكما ان رجاء الكنيسة هو في مجيء الرب يسوع المسيح "كوكب الصبح المنير" كذلك سيكون رجاء الأتقياء في إسرائيل "بعدئذ" هو في ظهوره كالمسيا الذي سيبدد إلى الأبد ظلام شتاتهم الطويل المجدب "ولكم أيها المتقون اسمي تشرق شمس البر والشفاء في أجنحتها" (سفر ملاخي ٤ / ٢)  وان تلك البقية ستتطلع إلى اقتراب يوم مجده، إلا أنه قبل ان يشرق ذلك النهار بلمعانه لابد ان تنهزم كل الظلال "وكنور الصباح إذ أشرقت الشمس. كعشب من الأرض في صباح صحو مضيء غب المطر"( سفر صموئيل الثاني ٢٣ / ٤) . هذه بلا شك ستكون لغة البقية إبان اجتيازها في آلامها المريرة قبل ان يفيح النهار وتنهزم الظلال ،  قبل ان تشرق شمس البر .



ارجع وأشبه يا حبيبي الظبي أو غفر الأيائل على الجبال المشعبة =

لقد عرفت العروس بأنها لا تزال في برية هذا العالم محوطة "بتجارب متنوعة" كالجبال المشبعة، لذا تطلب إلى عريسها بان يسرع لنجاتها وحمايتها كما أنها تتوق إلى رجوعه سريعا كالظبي، أو الغزلان الصغيرة، متنقلا في خفة رائعة على الجبال المشبعة. هذا هو حنين الكنيسة ، عروس المسيح  ، "الروح والعروس يقولان تعال. . . أمين. تعال أيها الرب يسوع" ، فلنسير إذا مواظبين على الصلاة ومترقبين تلك اللحظة السعيدة التي فيها نرى ضياء وجه ربنا وسيدنا وعريسنا المبارك "كوكب الصبح المنير" يسوع المسيح . "إذا يا أخوتي الأحباء كونوا راسخين غير متزعزعين مكثرين في عمل الرب كل حين عالمين ان تعبكم ليس باطلا في الرب" (رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس ١٥ / ٥٨).


* * * 


كذلك ستكون هذه لغة الأتقياء في شعب الرب الأرضي وحنينهم. 

أنهم في مرارة نفوسهم يتوسلون إليه بان يسرع لخلاصهم، وهو ، له كل المجد و الإكرام سيقصر أيام ضيقهم رغما عن مقاومات مضايقيهم (متي ٢٤ / ٢٢)  وهل تستطيع أية قوة أرضية أو شيطانية ان تعطل إتمام مقاصد الله نحو شعبه الأرضي أو تمنع تحقيق مواعيده التي وعد بها آباءهم؟ ان أشعة مجده العتيدة سوف توقع الرعب في قلوب أعدائهم وتهيئ الطريق أمام مفديي الرب للتمتع بالبركة في الملك الألفي السعيد "ومفديو الرب يرجعون ويأتون إلى صهيون بترنم وفرح أبدي على رؤوسهم. ابتهاج وفرح يدركانهم ويهرب الحزن والتنهد" (أشعياء ٣٥ / ١٠) ،  يومئذ لا يبقى لآلامهم "الجبال المشعبة" أي أثر "كل وطاء يرتفع وكل جبل وأكمة ينخفض ويصير المعوج مستقيما والعراقيب سهلا. فيعلن مجد الرب ويراه كل بشر معا لان فم الرب تكلم" (أشعياء ٤٠ / ٤ - ٥) ،  نعم سيأتي "الفادي إلى صهيون وإلى التائبين عن المعصية في يعقوب يقول الرب" (أشعياء ٥٩ / ٢٠) ، سيأتي كالظبي أو غفر الأيائل على الجبال المشعبة.


* * *


حتى يفيح النهار= 

نهار الحياة الأبدية .  


إرجع = 

هي شهوة النفس لأن يأتي المسيح في مجيئه الثاني بعد أن تذوقت حلاوة القيامة الأولى. وأيضا بالنسبة للنفس التي ما زالت على الجبال المشعبة حيث آلام هذا العالم وإغراءات الخطية، تجدها قد تفتر وتفقد حرارتها في بعض الأحيان. بل قد تسقط في بعض الخطايا المحبوبة. وحينئذٍ تفقد إحساسها بوجود العريس في حياتها. وهذا ما سنراه بوضوح في إصحاح 5. فبعد ليل طويل ظل العريس ينادى عروسه ولا يجد إستجابة منها إنصرف إلى حين، لتدرك كم الخسارة في بعد عريسها عنها، فلا تعود للاستهتار والإبتعاد مرة أخرى عن عريسها. 


وهنا تصرخ النفس التي ما عادت تشعر بفرح وجود عريسها في حياتها وتقول أرجع = إعطنى مرة أخرى أن أعود وأشعر بسلامك وقوتك. وأشبه يا حبيبى الظبى = 

بعينك الحادة أنت قادر أنت ترى حروب إبليس وتدوس عليه، وتقودنى للامتلاء من الروح القدس = غفر الأيائل.








تم عمل هذا الموقع بواسطة