تفسير نشيد الانشاد - الكتاب المقدس - العهد القديم -  سفر نشيد الأنشاد -  الفصل / الإصحاح السابع (٧)


اقرأ النص اولا - ثم يليه الشرح 




 النص


الكتاب المقدس - العهد القديم
سفر نشيد الأنشاد

الفصل / الإصحاح السابع

 

1 ما أجمل رجليك بالنعلين يا بنت الكريم دوائر فخذيك مثل الحلي، صنعة يدي صناع

2 سرتك كأس مدورة، لا يعوزها شراب ممزوج. بطنك صبرة حنطة مسيجة بالسوسن

3 ثدياك كخشفتين، توأمي ظبية

4 عنقك كبرج من عاج. عيناك كالبرك في حشبون عند باب بث ربيم. أنفك كبرج لبنان الناظر تجاه دمشق

5 رأسك عليك مثل الكرمل، وشعر رأسك كأرجوان. ملك قد أسر بالخصل

6 ما أجملك وما أحلاك أيتها الحبيبة باللذات

7 قامتك هذه شبيهة بالنخلة، وثدياك بالعناقيد

8 قلت: إني أصعد إلى النخلة وأمسك بعذوقها. وتكون ثدياك كعناقيد الكرم، ورائحة أنفك كالتفاح

9 وحنكك كأجود الخمر. لحبيبي السائغة المرقرقة السائحة على شفاه النائمين

10 أنا لحبيبي، وإلي اشتياقه

11 تعال يا حبيبي لنخرج إلى الحقل، ولنبت في القرى

12 لنبكرن إلى الكروم، لننظر: هل أزهر الكرم ؟ هل تفتح القعال ؟ هل نور الرمان ؟ هنالك أعطيك حبي

13 اللفاح يفوح رائحة، وعند أبوابنا كل النفائس من جديدة وقديمة، ذخرتها لك يا حبيبي





الشرح


يعتبر اليهود نشيد الانشاد (أو قدس الاقداس) نشيد رمزي يعكس علاقة الحب المتبادل بين الله و شعبه إسرائيل ، 

تسلمت الكنيسة المسيحية من يدي الكنيسة اليهودية هذا السفر ضمن أسفار العهد القديم، وقد احتل هذا السفر مركزًا خاصًا بين الأسفار لما يحمله من أسلوب رمزي يعلن عن الحب المتبادل بين الله وشعبه ((المسيح  (العريس) و الكنيسة ("عروسه")) ، أو بين الله والنفس البشرية.





في هذا الفصل / الإصحاح السابع :

+  الآيات من ١ إلي ٩ : العريس هو المتكلم ... 

(و هو يتحدث عن عروسه و يصف كل جزء منها بأحلي كلمات الغزل ) 




(ملحوظة : نسخ الكتاب المقدس التي كتبت فوق الايات من هو المتكلم وضحت ان المتكلم هنا في : هذا الجزء من عدد ٩ من الاصحاح السابع من سفر نشيد الانشاد ،  -- " لحبيبي السائغة المرقرقة السائحة على شفاه النائمين " -- ، هي العروس و ليس العريس ... لذا قد يختلف الشرح ، ندعوك للبحث)






+ الآيات من ١٠ إلي ١٣ : العروس هي المتكلمة هنا ...

(و هي تتحدث عن عريسها و لعريسها)





1 ما أجمل رجليك بالنعلين يا بنت الكريم دوائر فخذيك مثل الحلي، صنعة يدي صناع


السيد المسيح عريس الكنيسة مازال يُعبِّر عن حبِّه لعروسته. ونلاحظ أن العروس حين وصفت عريسها في (نشيد الانشاد ٥) بدأت برأسه فهو النازل من السماء للأرض .أما حين يصفها العريس نجده مبتدئاً بقدميها . والسبب أن سر جمالها هو الطريق الذي تأخذه "سراج لرجلي كلامك ونور لسبيلي" . إذاً هي بإتجاهها إختارت أن تصعد للسماء من الأرض. وهذا هو ما جعل عريسها يفرح بها ، فهي حققت ما أراده إذ هو نزل من السماء إلى الأرض ليرفعها من الأرض إلى السماء ، لكنه ترك لها حريتها في الاختيار ، وإذ إختارت العريس السمائي تاركة ملذات العالم ففرح  بعروسه.


 بنت الكريم = 

كنا قد فقدنا بنوتنا وانتسابنا لله بعد الخطية، وبالمسيح رجعت الكنيسة لبنوتها. ونحصل على هذه البنوة من الماء والروح في المعمودية. وهذه معنى البشارة التي حملها المسيح للمجدلية لتصل لتلاميذه وللعالم أن الله صار "إلهى وإلهكم وأبى وأبيكم".


ما أجمل رجليك بالنعلين = 

أما حديثه عن "النعلين"

 إنما يُشير إلى الكنيسة - كجماعة أو كأعضاء - وقد احتذت بإنجيل السلام (رسالة بولس الرسول إلى أهل أفسس ٦ / ١٥)، وكأن العريس قد ركز في بدء وصفها بخطواتها الإنجيلية... تسلك طريق العريس ذاته، تمارس حياتها الإنجيلية المملوءة سلامًا. هذا هو سرّ جمالها الروحي، أنها عرفت الطريق ودخلته! بهذا تحمل أيضًا الشهادة لعريسها كقول الرسول بولس: "ما أجمل أقدام المبشرين بالسلام، المبشرين بالخيرات" (رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية ١٠ / ١٥). وقول النبي إشعياء: "ما أجمل على الجبال قدمي المبشر المخبر بالسلام المبشر بالخير المخبر بالخلاص القائل لصهيون قد ملك إلهك" (اشعياء ٥٢ / ٧)، وقول ناحوم النبي: "هوذا على الجبال قدما مبشر مناد بالسلام، عيدي يا يهوذا أعيادك، أوفي نذورك، فإنه لا يعود يعبر فيك أيضًا الملك" (سفر ناحوم ١ / ١٥).

إذ تحتذي النفس بكلمة الرب تصير حاملة لسرّ سلامها الداخلي، وسر سلام الآخرين فتكرز بكلمة الخلاص، وتعلن ملكوت الله المعلن على الصليب، وتسكب فرحًا في قلوب المؤمنين، بهذا يحصلون على روح الغلبة والنصرة على المهلك.


أن سر جمال العروس أنها تسير في الطريق الملوكي، طريق الرجوع إليه، مستجيبة لندائه "إرجعي إرجعي" (نشيد الانشاد ٦ / ١٣)  أي طريق التوبة، دائسة أشواك وتجارب وإغراءات العالم، كارزة بالإنجيل "ما أجمل على الجبال قدمي المبشر المخبر بالسلام" (إشعياء ٥٢ / ٧ + رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية ١٠ / ١٥). هنا العريس يبدأ بالرجلين اللتين سارتا في طريق المسيح بحسب الإنجيل (توبة/ كرازة/ دائسة أشواك العالم وخطاياه).


 دوائر فخذيك = 

دوائر تعني مفاصل (joints) والكلمة في أصلها اللغوى تعنى "تدور حول" (رسالة بولس الرسول إلى أهل كولوسي ٢ / ١٩) جمال الكنيسة في ترابطها ووحدتها التي يصنعها الروح القدس = الصنّاع. والمحبة عمل الروح القدس في كل أولاد الله هي المفاصل التي تربط بيننا جميعا، كما ترتبط كل أعضاء الجسم بمفاصل. وهذه الوحدة في نظر الله كالحلي تترجم سلاسل تربط بين الجميع. والروح القدس يجمع بين أعضاء الجسد (الكنيسة) بالمحبة. وهذه المحبة التي تربط بيننا كشعب الله هي التي تفرح قلب الله.


ولماذا إهتم بمفاصل الفخذين بالذات؟ هذا لأنهما يربطان النصف الأعلى للجسد مع النصف السفلى . والنصف الأعلى للكنيسة جسد المسيح ، هو الكنيسة المنتصرة في السماء ، والنصف السفلى يمثل الكنيسة المجاهدة التي ما زالت على الأرض ، وهما كنيسة واحدة يرتبط نصفيها بالمحبة ، فنحن على الأرض نصلى لمن هم في السماء ، وهم يشفعون فينا .


والمفاصل هي التي تعطى الرجلين القدرة على السير في الطريق بكل حرية.. ولا يتسنى ذلك إلا بإخضاع الجسد والذات.. هنا نتذكر الحكمة في مصارعة يعقوب. فالإنسان الذي صارعه لم يتركه حتى ضرب حق فخذه " فانخلع حق فخذ يعقوب في مصارعته معه" (تكوين ٣٢ / ٢٥).. والمعنى أن النشاط الجسدي والقوة الطبيعية -قوة الذات- يجب أن تتعطل وتشل حتى يتسنى للنعمة أن تنشئ فينا القوة الروحية للسير بحسب إرادة الله... قد أعطى بولس شوكة في جسده وطلب إلى الله ثلاث مرات أن تفارقه ولكنه أدرك أخيرا أنه خير له أن يظل هكذا " تكفيك نعمتى لأن قوتى في الضعف تكمل".. ويعبر بولس عن أختباره فيقول " صادقين في المحبة ننمو في كل شيء إلى ذاك الذي هو الرأس المسيح. الذي هو الرأس المسيح. الذي منه كل الجسد مركبا معا ومقترنا بمؤازرة كل مفصل حسب عمل على قياس كل جزء يحصل نمو الجسد لبنيانه في المحبة" (أفسس ٤ / ١٥ - ١٦)





2 سرتك كأس مدورة، لا يعوزها شراب ممزوج. بطنك صبرة حنطة مسيجة بالسوسن


السرة حينما تقطع تصبح كأسا مدورة ، الدائرة لا بداية لها ولا نهاية ،  إنها تشير إلى السماء وأنها تشير إلى أن الإنسان حمل طبيعة سماوية.. هي لا يعوزها شراب ممزوج أي خمر،  أي لا يعوزها مسرات العالم وأفراحه  فهذه لا مجال لها في حياتها الآن.. وفى نفس الوقت فإن غذاء هذه النفس التي لا تتغذى بغذاء العالم لها طعامها الخاص.. لها طعام روحي تلك التي يعبر عنها بقوله " بطنك ُصبره (كومة) حنطة".. هذه الحنطة تشير إلى المسيح الخبز الحيّ  النازل من السماء.. ثم إن هذه الخيرات محاطة بسياج من السوسن الذكي الرائحة..





3 ثدياك كخشفتين، توأمي ظبية


سبق ان وصف العريس عروسه بهذا الوصف (شيد الانشاد ٤ / ٥) ويتكرر هذا الوصف هنا لكي تتيقن العروس بان محبة الرب لها ثابتة إذ ليس عنده تغيير ولا ظل دوران، فمع أنها كثيرا ما تحولت عنه وانقطعت شركتها معه الأمر الذي سبب لها آلاما وأوجاعا كثيرة، إلا ان محبته لها هي "محبة أبدية" لأنه "إذ كان قد أحب خاصته الذين في العالم أحبهم إلى المنتهى" ما أعجب محبتك يا ربنا المبارك.

* * * 

 وقد يكون وصف الثديين بأنهما مثل توأمي ظبية إشارة إلى الوحدة والانسجام، الأمور التي ستميز الشعب الأرضي في الملك الألفي السعيد، كما ان في الثديين إشارة إلى ما سيتمتع به ذلك الشعب من شبع ودسم في ذلك الحين "افرحوا مع أورشليم وابتهجوا معها يا جميع محبيها. افرحوا معها فرحا يا جميع النائحين عليها لكي ترضعوا وتشبعوا من ثدي تعزيانها. لكي تعصروا وتتلذذوا من درة مجدها" (أشعياء ٦٦ / ١٠ - ١١).





4 عنقك كبرج من عاج. عيناك كالبرك في حشبون عند باب بث ربيم. أنفك كبرج لبنان الناظر تجاه دمشق


عنقك كبرج من عاج = 

 سبق ان وصف العريس عنق العروس "كبرج داود المبني للأسلحة" (نشيد الانشاد ٤ / ٤)  وكان هذا يعنى أنها قادرة أن ترى العدو من بعيد ولها أسلحتها التي تدافع بها عن نفسها وفي ذلك إشارة إلى العزيمة القوية والقصد الثابت "راسخين غير متزعزعين" . ولكن هنا يوصف عنق العروس بأنه "كبرج من عاج" ، برج من نوع آخر لا علاقة له بحرب الأعداء فنحن هنا لا نجد أسلحة. فماذا يعنى هذا البرج؟ 


لقد سبق فرأينا أن العاج يُشير إلى قبول الألم حتى الموت... حيث يستخرج من الفيل خلال آلامه حتى الموت. فإن كان إيمان الكنيسة عاليًا كالبرج، مرتفعًا نحو السماء، فقد قبلت كل صفوف الألم حتى الموت... لتبقى أمينة في إيمانها، لا تنحرف وراء كل ريح تعليم غريب ولا تتلوث بالبدع والهرطقات لقد كلفها إيمانها الرسولي الأصيل الكثير من الثمن !


التشبيه بالعاج (الذي يحصلون عليه من الفيل بعد موته) يشير لاستعدادها للموت دفاعاً عن إيمانها وطهارتها، بل هي ماتت فعلا عن العالم "أم تجهلون اننا كل من اعتمد ليسوع المسيح اعتمدنا لموته، فدفنا معه بالمعمودية للموت" (رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية ٦ / ٣ - ٤) + "أميتوا أعضائكم التي على الأرض" ، "قدموا أجسادكم ذبائح حية... (رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية ١٢ / ١). ولاحظ لون العاج الأبيض الذي يشير للطهارة والعفة حتى الموت . ولاحظ قول النشيد أن العريس "بطنه عاج أبيض" (نشيد الانشاد ٥ / ١٤) والبطن تعبير عن المشاعر، فهو في محبته مات فعلا عن عروسه. أما عروسه فعنقها كبرج من عاج فهي حين إنفتحت عيناها على محبته إذ أحبها أولًا فأحبته، فإنفتحت عيناها على السماويات، وحينئذ وجدت أن العالم وما فيه ما هو إلا نفاية (رسالة بولس الرسول إلى أهل فيلبي ٣ / ٨) فقررت بحريتها أن تموت عن العالم. هي محبة متبادلة تصل لحد الموت "مدفونين معه بالمعودية" (رسالة بولس الرسول إلى أهل كولوسي  ٢ / ١٢).

إنه إيمان من العاج، ناصع البياض، لا يشوبه شيء، ونفيس!

يُشير هذا العنق أيضًا إلى طهارة الكنيسة ونقاوتها، فهي مرفوعة الرأس على الدوام، لا تقدر الخطية أن تنكسه في التراب أو تذله.


* * *


عيناك كالبرك في حشبون عند باب بث ربيم =


عيناك كالبرك = 

إن كان قبلًا قد وصف عينيها بعيني الحمامة، حيث تتجلى فيهما صورة الروح القدس الذي يُقدس سيرتها الداخلية بتطلعها المستمر إليه بغير انحراف، فإنه الآن يصفهما "كالبرك" ، و البرك بلا أمواج أو اضطرابات ، والبرك فيها عمق وصفاء، هما مفتوحتان وترى بهما السماء، خصوصًا هذا بسبب عنقها المرفوع لأعلى لأنه من عاج. فهي لها نظرة روحية هادئة راجعة لثقتها في 1) قدرة إلهها ضابط الكل. 2) واثقة في محبته لها. 3) واثقة أنه صانع خيرات.


* * *


في حشبون =

في حشبون =  حشبون إحدى مدن الملجأ وهذا يشير لأن هدوءها وسلامها راجع لأنها محتمية في ملجأها الرب يسوع، بل تصير النفس التي لها هذه الصفات كالملجأ لمن يريد أن ينعم بالهدوء. هذه النفس المملوءة سلامًا صارت مصدر جذب للآخرين يجدون سلامهم لديها.


اختيار مدينة حشبون لأسباب كثيرة منها:

أ. "حشبون" تعني "حساب"... فالنظرة المتسعة والبسيطة لا تعني أن يحيا الإنسان بغير حساب أو بدون تدقيق... إنما بحكمة يضع في اعتباره حساب النفقة.


ب. مدينة حشبون، تدعى حاليًا "حسبان"، وهي آثار مدينة قائمة على تل منعزل تبعد حوالي ١٦ ميلا شرق الأردن، وحوالي ٩ أميال شمال مادابا، وهي قائمة ما بين آرنون وجابوك. هذه المدينة أتخذها سيمون ملك الأموريين عاصمة لملكه وأعطاها موسى النبي للرأوبيين، وهي تقع على الحدود الفاصلة بين أملاك رأوبين وجاد (عدد ٣٢ / ٣٧  ، يشوع  ١٣ / ٢٦). هي إحدى مدن الملجأ الستة من ال ٤٨ مدينة التي أعطيت للاويين (يشوع ٢١ / ٣٩ ). كأن عيني الكنيسة أو بصيرة المؤمن الروحية، كالبرك الهادئة في إحدى مدن الملجأ، يلجأ إليها الناس فينعمون بالمسيح يسوع الملجأ الحقيقي.


ج. كانت مدينة حشبون عند مفارق الطرق الرئيسية تمر عليها جموع كثيرة، وهنا إشارة إلى انفتاح قلب المؤمن على الكثيرين ليتمتعوا بالسيد المسيح "الملجأ الأبدي". لهذا يكمل العريس حديثه قائلًا: "عِنْدَ بَابِ بَثِّ رَبِّيمَ". البث هو وحدة قياس عند اليهود تستخدم للسوائل، أما "ربيم" فتعني "ابنة الجموع"... وكأن المؤمن يصير ابنًا لجموع كثيرة. أو كأن الإنسان وقد تمتع ببصيرة روحية يدعو الجموع لتشاركه هذه البصيرة.


* * *


عند باب بث ربيم = 

أي باب بنت الجماعة، إشارة للجموع الكثيرة التي تدخل من هذا الباب. هذه النفس في سلامها صارت مصدر جذب لكثيرين ليتذوقوا حالة السلام التي تحياها.


* * *


أنفك كبرج لبنان الناظر تجاه دمشق = 

الأنف أيضًا يُشير إلى حاسة الشم للتمييز بين رائحة المسيح الذكية وأطاييب العالم الزائلة. فالمؤمن الحقيقي له أنف كالبرج يدرك خلاله من هو عدو ومن هو صديق، يميز ما هو للبنيان وما هو للهدم. أما اتجاهه نحو دمشق البلد التجاري المهتم بالزمنيات  فيُشير إلى جسارة الكنيسة  واقتدارها على مواجهة كل تيار يهتم بمغريات العالم

ان هذا الوصف يصور لنا القدرة الممنوحة للمؤمن والتي بها يستطيع ان يشتم رائحة كل ما هو من الله، فمتى كانت لنا الفطنة والذكاء  نستطيع أن نميز رائحة الأمور الإلهية من رائحة  الأمور الكريهة التي ليست من الله. ان الأنف هي العضو الدقيق الذي به نميز رائحة الأشياء ان كانت من الله أو من العدو، والمؤمن الذي له هذه الحاسة يستطيع ان يميز كل تعليم هل هو من الله أو ليس منه، ومتى كان التعليم من الله فان رائحته العطرية تجتذب النفس إلى المسيح وتربطه به بفرح عظيم.


ان "العين والأنف" يرمزان إلى الحواس المدربة على التمييز بين الخير والشر فالخير تتبعه من كل القلب والشر ترفضه بعزيمة صادقة. حقا ما أجمل هذه الصفات في "بنت الكريم".


* * * 


أما كونه يشبه أنفها ببرج لبنان أنه دليل الشموخ.. ليس بقصد الكبرياء، ولكن بقصد أحساس الإنسان بذاته كابن الله.. "من يغلب العالم إلا الذي يؤمن أن يسوع هو المسيح".. "أستطيع كل شيء في المسيح الذي يقويني"..


* * * 


الناظر تجاه دمشق = 

في هذا إشارة إلى القوة والتفوق، فشعب الرب الأرضي الذي كان مضطهدا وقد انتصرت عليه ممالك كثيرة وبخاصة الآراميون، سوف ينظر إبان ملك المسيا المجيد تجاه دمشق (عاصمة سوريا) والأمم المجاورة في قوة مثل قوة البرج، فان جميع الأمم سوف تخضع يومئذ له، وستكون أورشليم قصبة المسكونة بأسرها في الزمن الألفي المجيد. يومئذ يكون ظاهرا ان قوة الرب يسوع تقيم في وسط شعبه المحبوب، وفي هذا صورة لتفوقهم.





5 رأسك عليك مثل الكرمل، وشعر رأسك كأرجوان. ملك قد أسر بالخصل


رأسك عليك مثل الكرمل =

يشار بالرأس هنا إلى الذهن المستنير وإلى الفهم الروحي. لقد كانت طلبة الرسول بولس لأجل القديسين في أفسس هي ان يعطيهم إلهنا و ربنا يسوع المسيح "روح الحكمة والإعلان في معرفته مستنيرة عيون أذهانكم لتعلموا ما هو رجاء دعوته وما هو غنى مجد ميراثه في القديسين وما هي عظمة قدرته الفائقة نحونا نحن المؤمنين" (أفسس ١)  إذا "ان كان أحدكم تعوزه حكمة فليطلب من الله الذي يعطي الجميع بسخاء ولا يعير فسيعطى له" (رسالة يعقوب ١ / ٥).


جبل الكرمل يرتفع إلى ما يقرب من ألفى قدم.. والمعنى أن الكنيسة رأسها شامخ.. الكنيسة كاملة ولا تخطئ من جهة أيمانها " واحدة هي حمامتي كاملتي" (6: 8).. وبنفس المقياس مفروض في المؤمن أن يكون كاملا " كونوا كاملين..". " نظير القدوس الذي دعاكم كونوا أنتم أيضا قديسين في كل سيرة"..

هذا من ناحية.. ومن ناحية أخرى فإن كلمة الكرمل معناها "أرض الحديقة" تمتاز بالخضرة والثمار والغابات.. هكذا لا يجب أن تبدو الكنيسة بلا ثمر وكذلك النفس البشرية. ثم إن جبل الكرمل في الكتاب المقدس يحمل ذكريات مقدسة ومجيدة. فعليه وقف إيليا النبي أمام كهنة البعل وكل الشعب وقال عبارته المشهورة "حتى متى تعرجون بين الفرقتين. إن كان الرب هو الله فاتبعوه. وإن كان البعل فاتبعوه" ( سفر الملوك الأول ١٨ / ٢١) .. وهناك قتل كهنة البعل ( سفر الملوك الأول ١٨ / ٤٠) رمز للقضاء على الشر.. وبعد أن سقطت نار من السماء وأكلت المحرقة والحطب والحجارة والتراب ولحست المياه التي في القناة.. سقط كل الشعب على وجوههم وقالوا " الرب هو الله. الرب هو الله" (سفر الملوك الأول ١٨ / ٣٨ - ٣٩) .. أن الكرمل يذكرنا بكل هذه الذكريات يجب ألا نعرج بين الله والعالم (المسيح أم باراباسوالقضاء على الشر، والاعتراف بأبوه الله لنا "الرب هو الله. الرب هو الله".

وعلى رأس جبل الكرمل سجد إيليا وخر على الأرض طالبا من الله أن يعطى مطرا على الأرض ( سفر الملوك الأول ١٨ /  ٤٢ - ٤٦).. وهذا يذكرنا بالصلاة واستجابتها سواء في الكنيسة وحياة المؤمن.

هذه بعض الذكريات التي تتصل بجبل الكرمل الذي شبهت به الرأس : رأس المؤمن ورأس الكنيسة.


* * *


وشعر رأسك كأرجوان = 

الشعر الملتصق بالرأس قد أشرنا سابقا إلى أفراد الكنيسة الملتصقين بالرأس المسيح... إنه كالأرجوان (القرمز) الذي هو الرمز الملكي ، وهو لباس الملوك كما يحمل رمز دم السيد المسيح ، و نحن باتحادنا مع العريس الملك، صارت كل الأعضاء تحمل سمة الملوكية خلال تقديسها بدم المسيح.


الأرجوان هو إذا رمز الملكية والجلال. والعروس في هذه الأعداد ترى بجملتها ، من الرجلين إلى الرأس في جمال فائق. أنها كاملة لا عيب فيها لأنها فيه "بلا لوم قدامه في المحبة". وجميل ان نقرأ هنا "ملك قد أسر بالخصل" أي ان مفاتنها اجتذبته وغمرته. جمالها الذي خلعه عليها، هو الذي سباه، له المجد "كلها مجد ابنه الملك في خدرها. منسوجة بذهب ملابسها. بملابس مطرزة تحضر إلى الملك" (مزمور ٤٥ / ١٣ - ١٤).


* * * 


ملك قد أسر بالخصل = 

"ملك قد أسر بالخصل" أي أن مفاتن العروس قد اجتذبته وأسرته حبًا. إن جمالها الذي خلعه عليها العريس هو الذي سباه "كل مجد ابنة الملك من داخل. منسوجة بذهب ملابسها. بملابس مطرزة تحضر إلى الملك" (مزمور ٤٥ / ١٣ - ١٤).


لقد أتى ربنا يسوع إلى أرضنا هذه "أخلى نفسه آخذا صورة عبد" لقد جاء "ليس لُُيُخدِم بل ليخدم وليبذل نفسه فدية عن كثيرين". ان محبته لخاصته هي التي أسرته إلى هذا الحد. وخليق بالعروس ان تتمثل به في هذه الصفة المباركة. أنه مجد لنا ان نتحلى بالخضوع والطاعة له إذ ليس شيء يجتذب قلب الرب وعواطفه إلينا نظير خضوع وطاعة قلوبنا له كرأسنا المبارك. عندئذ نرى الملك ، ملك الملوك كمن قد "أسر بالخصل". . "لان الرب اختار صهيون اشتهاها مسكنا له. هذه هي راحتي إلى الأبد ههنا أسكن لأني اشتهيتها"(مزمور ١٣٢ / ١٣ - ١٤) ،  "الذي عنده وصاياي ويحفظها فهو الذي يحبني. والذي يحبني يحبه أبي وأنا أحبه وأظهر له ذاتي. . .وإليه نأتي وعنده نصنع منـزلا" ).






6 ما أجملك وما أحلاك أيتها الحبيبة باللذات


باللذات =

 الله يتلذذ بشعبه المحب له الملتف حوله "لذاتي مع بني آدم" (سفر الأمثال ٨ / ٣١).

 العريس -في ختام وصفه للعروس- يقول لها "ما أجملك وما أحلاك" والمعنى الحرفي لهذه العبارة "كم صرت جميلة".. لقد انسكب جمال العريس عليها فصارت هكذا..


ان العريس وحده هو الذي يجد لذة في عروسه وفرحا بها، فان نعمته الغنية هي التي صيرتها مشابهة لشخصه الكريم، وهذه المشابهة هي التي يراها الآن وفيها يجد لذته ومسرته، وبقدر ما يجد فينا من المشابهة له بهذا القدر يلتذ ويسر بنا. ان ربنا المبارك لا يجد سروره إلا فيما يشبه كمالاته الأدبية. ياله درسا عمليا يعوزنا ان نتعلمه! ليتنا نفكر في محبته وقداسته وكمال طرقه، ثم نسائل أنفسنا: في أي النواحي يا ترى يجد سيدنا صورته منعكسة بصفة عملية في تصرفاتنا؟ ليتنا في نوره الباهر نفحص طرقنا العملية جميعها ونحرص بمعونته على ان نتشبه به كمن ترك لنا مثالا لكي نتبع خطواته: ما أجمل للنفس التي تحب المسيح ان تسمع من شفتيه هذه الكلمات "ما أجملك وما أحلاك أيتها الحبيبة باللذات".





شرح الآيات ٧ و ٨ و ٩ معا :


7 قامتك هذه شبيهة بالنخلة، وثدياك بالعناقيد

8 قلت: إني أصعد إلى النخلة وأمسك بعذوقها. وتكون ثدياك كعناقيد الكرم، ورائحة أنفك كالتفاح

9 وحنكك كأجود الخمر. لحبيبي السائغة المرقرقة السائحة على شفاه النائمين




(ملحوظة : نسخ الكتاب المقدس التي كتبت فوق الايات من هو المتكلم وضحت ان المتكلم هنا في : هذا الجزء من عدد ٩ من الاصحاح السابع من سفر نشيد الانشاد ،  -- " لحبيبي السائغة المرقرقة السائحة على شفاه النائمين " -- ، هي العروس و ليس العريس ... لذا قد يختلف الشرح ، ندعوك للبحث)





قامتك هذه شبيهة بالنخلة، وثدياك بالعناقيد =

النخلة = 

تمتاز بطولها واستقامتها وبأن لها جذور قوية تحصل بها على الماء من العمق. 


ثم ان وجود النخلة في مكان ما علامة مؤكدة على وجود الماء في ذلك المكان ولو كان صحراء، من أجل هذا فان منظر النخلة لعين المسافر لا يوجد أبدع منه، وهذه الحقيقة يؤيدها المكتوب "ثم جاءوا إلى ايليم وهناك اثنتا عشرة عين ماء وسبعون نخلة. فنـزلوا هناك عند الماء"(خروج ١٥ / ٢٧). ونلاحظ أن السبعين رسولًا رُمِزَ لهم بسبعين نخلة في العهد القديم (سفر الخروج ١٥ / ٢٧).


* * * 


يشار هنا لأول مرة في هذا السفر إلى "القامة" إذ متى كانت كل الصفات التي وصفت بها العروس "بنت الكريم" متوفرة في المؤمنين فلا بد ان يرى الحبيب فيهم "القامة" التي يسر بها، أو بالحري يرى تقدما ونموا "إلى قياس قامة ملء المسيح" (أفسس ٤ / ١٣) ان مشيئة إلهنا هي ان نكون "صادقين في المحبة ننمو في كل شيء إلى ذاك الذي هو الرأس المسيح" (أفسس ٤ / ١٥)  فقامتنا تقاس بمقدار محبتنا، فعلينا ان نقيس دائما قامتنا بالإصحاح الثالث عشر من الرسالة الأولى إلى كورنثوس.


هوذا قد ظهرت قامة الكنيسة، إنها كالنخلة تمتاز بطولها واستقامتها... لقد ارتفعت لتبلغ ملء قامة المسيح (أفسس ٤ / ١٣). وكما يقول المرتل : "الصديق كالنخلة يزهو، كالأرز في لبنان ينمو" (مزمور ٩٢ / ١٢). لهذا رمز للسبعين رسولًا بسبعين نخلة  (سفر الخروج ١٥ / ٢٧، سفر العدد ٣٣ / ٩)، كما زين بيت الله بالنخيل (سفر الملوك الأول ٦ / ٣٢).


* * * 


في الكتاب المقدس إشارات كثيرة إلى أغصان النخيل بوصفها رمز النصرة والفرح. فهي علامة على عيد المظال عند اليهود قديما، ذلك العيد الذي طالما كان عيد بهجة في إسرائيل "وتأخذون. . . . سعف النخل. . . وتفرحون أمام الرب إلهكم سبعة أيام" ( سفر اللاويين ٢٣ / ٤٠)  ثم ان الجمع الكثير الذي رآه يوحنا أمام الخروف كانوا "متسربلين بثياب بيض وفي أيديهم سعف النخل" (رؤيا ٧ / ٩ ) ، وفي الأبدية يحمل المؤمنون سعف النخيل علامة النصرة (رؤيا ٧). 


* * * 

 

النخلة بجذورها الخفية العميقة تلتقي بينابيع المياه الحية، وهي تقدم ثمرها ظاهرًا ونافعًا لكثيرين خاصة في المناطق المقفرة... ويستخدم سعفها في استقبال الملوك يلوحون بها علامة الغلبة والنصرة. وكأن العريس السماوي يرى في كنيسته - خلال تشبيهها بالنخلة - الاتحاد الخفي العميق معه، والثمار المقدمة للعالم الجائع، والحياة الملوكية المنتصرة الغالبة!


عندئذ تكون العروس قد وصلت إلى نضوجها الأدبي "ثدياك كعناقيد الكرم" أنها ستبدو كاملة في عينيه موضوع لذة قلبه، وصورة لشخصه. عندئذ تكون قد أجيبت الطلبة القديمة "لتكن نعمة الرب إلهنا علينا" أو "ليكن جمال الرب إلهنا علينا" (مزمور ٩٠ / ١٧).


"ان النخلة والعناقيد" هي صور رمزية أو تشبيهيه للنصرة والنضوج للاستقامة ووفرة الغلات، ولقد ذكرت النخلة في مناسبات كثيرة في الكتاب كرمز، فهي من حيث شكلها الطبيعي ذات ساق مديدة ومستقيمة، وبذلك هي كلمة الله رمز للاستقامة والمستقيمين، وبعض أنواع النخيل ينمو إلى درجة كبيرة من الارتفاع بحيث لا يكون من اليسير الوصول إلى ثمارها، ولكن العريس يقول "أني أصعد إلى النخلة وأمسك بعذوقها" نعم فان ثمار الروح لن تكون بعيدة عن متناول يده، أنه يجمع ثمار النعمة في خاصته ، يجمعها لنفسه ولمسرته.


يفرح العريس بعروسه المثمرة، فيصعد إلى النخلة ليجني ثمارها. إنه لم يرسل أحد الخدم ليجني له الثمر، بل يصعد بنفسه ويقطف الثمار بيديه، هنا يعلن للنفس البشرية كرامتها وعظمتها، فإن كان من أجلها قد نزل إلى العالم ليتحد بها، فالآن هو يصعد عليها... لقد ارتفعت بعد أن كانت ساقطة، وبارتفاعها مع عريسها إلى سمواته تشاركه أمجاده، يرى نفسه صاعدًا على نخلته يقطف ثمارها التي هي في الحقيقة من صنع روحه القدوس!


إنه يمسك بسعفها العالي وكأنه يرى في نصرتها نصرة له، وفي علوها تمجيد لعمله الخلاصي. نحن نمسك بالسعف لأننا بالرب نغلب وننتصر. وهو يمسك بنصرتنا لأنها لحسابه ولمجد اسمه القدوس. أنه يفرح ويبتهج بكل نصرة نبلُغها.!


* * * 


عذوقها = 

هو جريد النخلة .


 وقوله أصعد إلى النخلة = 

 يشير لمدى الآلام التي تحملها رب المجد يسوع ليخلص شعبه. فهو نزل وتجسد وصلب ومات ليحمي أولاده ويفديهم. وقوله أصعد يعبر عن فرحته بأن كنيسته إرتفعت. نحن نمسك بالسعف لأننا بالرب ننتصر ، وهو يمسكنا كعذوق (سعف أخضر) ونحن نمسك بالسعف رمز إنتصارنا (رؤيا يوحنا ٧ / ٩).  والمسيح يمسك بنا كسعف ليحمينا. "هذا يقوله الممسك السبعة كواكب في يمينه" (رؤيا يوحنا ٢ / ١) ،  "...وعلى الايدي تحملون وعلى الركبتين تدللون" (إشعياء ٦٦ / ١٢ ). ولأن إنتصارنا هو لحساب مجد اسمه، فهو يفرح بكل إنتصار لنا. إذاً إنتصارنا كان لأنه يمسكنا. تكرار يكون ثدياك كعناقيد (بينهما نسمع أن المسيح يمسك بعذوقها) = "بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئاً" فبعد أن أمسك بعذوقها صار لها أن تكون فعلاً مصدر فرح لأولادها.


وتكون ثدياك كعناقيد الكرم = 

يرى ثدييها كعناقيد الكرم... الثديان بهما يُطعمون الأطفال. والثديان يرمزان للعهدان القديم والجديد، بهما تُشبع الكنيسة أولادها فإنهما يبعثان روح الفرح في حياة المؤمنين


و رائحة أنفك كالتفاح =

قد رأينا أن التفاح رمزًا للتجسد الإلهي، وكأنها تشتم على الدوام رائحة الإله المتجسد. أوهي تتنفس المسيح دائماً والتنفس هو حياة أي المسيح حياتها وإشتياقها الدائم. وهذا هو نفس معنى الآية "فإن شهادة يسوع هي روح النبوة" (رؤيا يوحنا ١٩ / ١٠).


"رائحة أنفك كالتفاح" ذلك الرمز المختار للحبيب نفسه، فقد قالت عنه العروس قبلا "كالتفاح بين شجر الوعر كذلك حبيبي بين البنين. أنعشوني بالتفاح. "(نشيد الانشاد ٢ / ٣ و ٥) أي ان العروس تنشر روائح اسمه الكريم وشخصه المعبود. أنها بسلوكها وبشهادتها تخبر "بفضائل الذي دعاها من الظلمة إلى نوره العجيب" وذلك لمجده ولبهجة نفسه، لذا يناجيها بدوره "رائحة أنفك كالتفاح" ليتنا نصغي لصوت العريس فنكون لمسرته هنا كما سنكون "لمدح مجده" في بيت أبيه.


* * *

 

وحنكك كأجود الخمر =

حنكها أي سقف حلقها ... فهي في فرحها تسبح من العمق وليس بالشفتين فقط بينما القلب مبتعد بعيدًا.

يشير العريس في العددين ٨ و ٩ من هذا الاصحاح / الفصل إلى ثلاثة أشياء "ثدياك" و"رائحة أنفك" و"حنكك" أي إلى العواطف الحية، وإلى القدرة على تمييز الأمور وإدراكها، وإلى القدرة على تذوق حلاوة الأمور الإلهية التي له "كأجود الخمر" فهل لنا هذه السجايا الروحية المقدسة؟


"حنكك كأجود الخمر" حقا ما أجمل إدراك هذه الحقيقة، وهي ان تذوقنا حلاوة السماويات وتلذذنا بها هي للحبيب "كأجود الخمر"! أنه يسر بتلذذنا وتمتعنا بالأمور والبركات الإلهية "حينئذ كلم متقو الرب كل واحد قريبه والرب أصغى وسمع وكتب أمامه سفر تذكرة للذين اتقوا الرب وللمفكرين في اسمه"(ملاخي ٣ / ١٦ - ١٧)  فكلمات أتقيائه كانت له كأجود الخمر.


وإذ وصل العريس في وصف جمال عروسه إلى التحدث عن حنكها بأنه "كأجود الخمر" إذا بها تقاطعه قائلة "لحبيبي" أي ان هذه الصفات هي لحبيبي أو من حبيبي، وان هذه الخمر تسيل وتجري إلى فم حبيبها بسهولة وبلذة وهي لامعة ومتلألئة.


* * * 


يا لها من محبة، ويا لها من نعمة أسبغها العريس على عروسه ،   البقية الأمينة! تلك البقية التي سترجع إلى ملكها وعريسها رجوعا كاملا وأبديا. عندئذ سيرى هو من تعب نفسه ويشبع. سيجد راحته في تلك البقية ويسر بها كما "بأجود الخمر" تلك الخمر التي تجعل "شفتاه النائمين" تتكلم. أما عن رجوع تلك البقية إلى يهوه ملكها، فأنه حقيقة تتكلم عنها نبواءت عديدة في كلمة الله "ترنمي يا ابنة صهيون أهتف يا إسرائيل أفرحي ابتهجي بكل قلبك يا ابنة أورشليم قد نـزع الرب القضية عليك أزال عدوك. ملك إسرائيل الرب في وسطك. لا تنظرين بعد شرا. في ذلك اليوم يقال لأورشليم لا تخافي يا صهيون لا ترتخ يداك. الرب إلهك في وسطك جبار. يخلص يبتهج بك فرحا. يسكت في محبته. يبتهج بك بترنم" ( سفر صفنيا ٣ / ١٤ - ١٧).


* * * 


 سائغة =

 ساغ الشراب في الحلق أي يسهل دخوله فيه.


 مرقرقة = 

يجري جريًا سهلًا. سبق للنفس.



_______________________  


ملخص

ما أجملك وما أحلاك أيتها الحبيبة قامتك هذه شبيهة بالنخلة وثدياك بالعناقيد  قلت إني اصعد إلى النخلة وامسك بعذوقها (سعفها العالي) وتكون ثدياك كعناقيد الكرم ورائحة انفك كالتفاح وحنكك كأجود الخمر لحبيبي السائغة المرقرقة السائحة على شفاه النائمين"حنكك كأجود الخمر تسوغ بلذة لحبيبي وتسيل على شفتي وأسناني - حسب الترجمة السبعينية)" (7: 6 – 9).

 العريس -في ختام وصفه للعروس- يقول لها "ما أجملك وما أحلاك" والمعنى الحرفي لهذه العبارة "كم صرت جميلة".. لقد انسكب جمال العريس عليها فصارت هكذا.. "قامتك هذه شبيهه بالنخلة" النفس البشرية والكنيسة صارت قامتها شامخة ومستقيمة كالنخلة "الصديق كالنخلة يزهو، كالأرز في لبنان ينمو" (مز 92: 12)..

لهذا رمز للسبعين رسولا بالسبعين نخلة التي وجدها بنو إسرائيل أثناء ارتحالهم في إيليم (خر 15: 27). وفى الأبدية يحمل المؤمنون سعف النخل علامة النصر (رؤ 7).

والعريس يفرح بثمر عروسه، فيصعد إلى النخلة ليجنى ثماره.. إنه لم يرسل أحدًا من خدمه، بل هو يصعد عليها، ليقطف ثمارها ويمسك بسعفها.

أما باقي التشبيهات:

+ ثدياك كعناقيد الكرم.. وسبق أن قلنا أن الثديين يرمزان للعهدين القديم والجديد وهى تشير إلى قدرتها على إطعام الآخرين.

+ رائحة أنفها كالتفاح.. وقد سبق أن رأينا في التفاح رمز للمسيح والتجسد الإلهي، وكأنها تَشْتَّم دائمًا رائحة الإله المتجسد. والمعنى أن العروس بعد أن اتحدت بالمسيح بدأت الآن تفيح برائحته.

+ حنكك كأجود الخمر.. إنه يشير إلى الفرح وإلى تذوق السمويات.. إن الخمر يشير إلى ملكوت السموات"أبقيت الخمر الجيدة إلى الآن" (يو٢: ١٠) وكما يقول "إني من الآن لا أشرب من نتاج الكرمة هذا إلى ذلك اليوم حينما أشربه معكم جديدًا في ملكوت أبى" (مت٢٦: ٢٩).

+ وحينما وصل العريس إلى هذه الكلمة إذا بالعروس واستنادًا إلى اتحادها الكامل به تقاطعه وتقول "لحبيبي السائغة المرقرقة السائحة على شفاه النائمين".

وهذا يفيد أنها وحبيبها معًا قد تذوقا شيئًا من أمجاد الدهر الآتي "السائحة على شفاه النائمين" [إذ وصل العريس في وصف جمال عروسه إلى التحدث عن حنكها بأنه "كأجود الخمر"، إذ بها تقاطعه قائلة "لحبيبي" أي أن هذه الصفات هي لحبيبي ومن حبيبي. وإن هذه الخمر تسيل وتجرى إلى فم حبيبها بسهولة وبلذة وهى لامعة ومتلألئة]

 





10 أنا لحبيبي، وإلي اشتياقه


يمكننا ان نقول بحق ان هذه العبارة هي أعذب وأحلى ما نطقت به شفتا العروس في هذا السفر، فقد وصلت إلى أسمى حالة من اليقين بمحبة العريس لها وعلاقته بها. لقد فرغت من ذاتها وأصبحت مشغولة بالمسيح ،  المسيح وحده، وكلماتها هذه تكشف عن إدراكها لشخصه الكريم ولعظمة محبته، فهي تقول "إليّ اشتياقه" أنه يبتهج بي، وبالتبعية تركت أمر نفسها. نسيت ذاتها، فقد عملت النعمة عملها الكامل، ومن ثم استقرت النفس في النعمة، وفي هذا كمال الجمال الذي يريد الرب ان يراه في خاصته.


* * * 


لو رجعنا إلى نشيد الانشاد ٢ / ١٦ لوجدنا ان العروس تعبر عن بهجة قلبها إذ وجدت حبيبها إذ امتلكته، فتقول "حبيبي لي وأنا له" وإذ نتقدم إلى الإصحاح  ٦ (السادس) نجدها قد ارتقت في اختبارها، فان قلبها يجد شبعه ولذته في معرفتها بأنها له حيث تقول "أنا لحبيبي وحبيبي لي" أما فبي العدد الذي أمامنا الآن فنجدها قد وصلت إلى أعلى ذروة في الاختبار الروحي المقدس حيت تجد الراحة الكاملة في يقينها بان قلبه يفرح بها "أنا لحبيبي وإليّ اشتياقه" هذه هي الثمرة الغنية لعمل النعمة. أنها جميلة وكاملة كلها في عينيه. أنها مكسوة بجمال النعمة، وقد عرفت العروس ذلك وفي هذا راحة قلبها التامة "إليّ اشتياقه" ونحن على يقين بان النفس لن تستطيع ان تسمو إلى أكثر من هذا الحد، ولن تجد أفضل منه. نعم فقد وجدت كل شيء في محبة المسيح التي لا تتغير. هذا ما يجب ان تختبره النفس المتجددة ان تجد أعمق بهجتها وأحلى سلامها في محبته، ويا لها من حالة سعيدة يمكن ان يوجد فيها الخاطئ المسكين المخلص بالنعمة، ويوجد فيها الآن. يا لها من حالة مباركة ان يجد كل ينابيعه الجديدة في محبة ربنا يسوع، وان يقول: ان يسوع الحبيب يعرفني جيدا، يعرف ما أنا في ذاتي، ومع ذلك فهو لا يحبني فقط بل يجد فيَّ مسرته أيضا ما أعجب هذا الحق! "في هذا هي المحبة ليس أننا نحن أحببنا الله بل أنه هو أحبنا وأرسل ابنه كفارة لخطايانا"(رسالة يوحنا الرسول الأولى ٤ / ١٠).






11 تعال يا حبيبي لنخرج إلى الحقل، ولنبت في القرى


لنخرج إلى الحقل = 

إنه حقل الخدمة "ارفعوا أعينكم وانظروا الحقول إنها قد ابيضت للحصاد" (يوحنا ٤: ٣٥).

العروس لا تكتفي بفرحها، فمن تشبهت بعريسها لا تنغلق على ذاتها بل تخرج من ذاتها وراحتها الشخصية إلى مجال خدمة شعب المسيح، وتهتم بأنهم يتذوقوا ما تذوقته هي. النفس أدركت عظم ما أعطاه لها عريسها فشعرت أنها مديونة بالكثير له، وهي قررت في الآية السابقة أنها تعطى نفسها للمسيح إذ قالت "أنا لحبيبى"، فكيف تنفذ هذا عمليا ؟ هي تساءلت ما الذي يفرح عريسها ؟ وأدركت أن إرادته خلاص نفوس الجميع... إذاً فلأُفرِح قلبه وأنطلق لخدمة أولاده. 


 وقولها لنخرج = 

إذ كيف تخرج للخدمة بدونه (يوحنا ٤ / ٣٥ + رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس ٣ / ٦ - ٩) ،  وربما أيضاً تريد النفس أن تخرج من العالم ومسراته لتشترك مع عريسها في خدمة النفوس.


لنبت في القرى =

أي نسهر على خدمة النفوس. والقرى تشير لمكان البسطاء والفقراء. الكلمة وردت بصيغة الجمع "القرى".. إنها لا تقصد مكانًا معينًا بل القرى كافة.. إن هذا يشير إلى حياة الغربة في العالم "ليس له أين يسند رأسه".. إنها في سياحة غربة مع حبيبها تسير معه من قرية إلى قرية بحثًا عن الخراف الضالة!!


* * *


لقد رأينا قبلا كيف ان الحبيب قد نـزال إلى جنته لينظر "هل أقعل الكرم هل نور الرمان" (نشيد الانشاد ٦ / ١١)  الأمر الذي يدل على اهتمامه الكلي بوجود الحياة المثمرة في النفوس، وهنا في العددين اللذين أمامنا نرى كيف ان العروس وهي في ملء الشركة متمتعة بمحبة العريس، لها نفس الفكر والاهتمام اللذين له فتتحدث إليه عن أمور تعلم أنها تسره، فتدعوه بان يذهب معها لينظرا "هل أزهر الكرم هل تفتح القعال هل نور الرمان" لقد صار لها اتحاد أو وحدة معه في الذهن والقلب لان إيمانها قد وصل إلى قياس أفكاره وعواطفه من نحوها.


* * * 


أننا لا نتوقع ثمرا في إسرائيل كأمة في التدبير الحاضر، لأننا نعيش في عصر النعمة ، عصر الإنجيل المقدم إلى كل أمم الأرض، ومن واجب الكنيسة ان تهتم بتوصيل بشارة الخلاص إلى النفوس البعيدة التي في "الحقول" (أي العالم) "ارفعوا أعينكم وانظروا الحقول أنها قد ابيضت للحصاد" (يوحنا ٤ / ٣٥) وأنه لمن امتيازنا ان يكون لنا فكر المسيح نفسه من نحو النفوس المسكينة الموجودة في العالم، وكم يلذ للمؤمن الذي له "فكر المسيح" ان يرى نفسا تعترف بالمسيح مخلصا وربا، وليس ذلك فقط بل ان يرى فيها ثمرا يدل على وجود الحياة الروحية فيها. لكن في القول "لنخرج إلى الحقل ولنبت في القرى. ." إشارة إلى ان بركات وأمجاد الألف سنة ستتجاوز حدود إسرائيل، فأورشليم ومدن يهوذا باعتبارها المركز الأرضي لمجد المسيا لا بد ان تمتلئ أولا بذلك المجد، ومن هناك ينتشر حتى تمتلئ الأرض كلها من مجده، وكم هو جميل ان (مدن) يهوذا سيكون متحدا ومشتركا مع مسيحه في ذلك المجد الذي سيملأ أرجاء المسكونة، وهذا ما نراه جليا في قول العروس "تعال يا حبيبي لنخرج _لنبت _ لنبكرن_ لننظر. . . " ثم في ثقة القلب تضيف ما يرينا إياها جالسة في حضرته "هنالك أعطيك حبي" لقد فاض القلب، ومن ثم فاضت المحبة كأنهار متدفقة إذ تقول "حبي" (بلغة الجمع * ) أنها محبة فائضة، ومتى كان المسيح غرض القلب فليس كثيرا عليه ان يفيض بوفرة وبغزارة.


قبل هذا تكون الكنيسة وجميع القديسين الذين يقومون عند مجيء الرب ثانية قد تمجدوا مع المسيح في أورشليم العليا، لان قصد الله هو ان "يجمع كل شيء في المسيح ما في السموات وما على الأرض" (أفسس ١ / ١٠) أي  أنه سيسود بقوته على دوائر الملكوت السماوية والأرضية وحينئذ تتحدان معا  .





12 لنبكرن إلى الكروم، لننظر: هل أزهر الكرم ؟ هل تفتح القعال ؟ هل نور الرمان ؟ هنالك أعطيك حبي


لنبكرن = 

هذه أمانة الخدمة، لقد تخلت عن كل أنانية وانغلاق لتبكر للخدمة. فنصيحة لكل خادم "لا تتأخر وإلا ضاع المخدوم" .


هنالك أعطيك حبي = 

الحب العامل في الخدمة . 

النفس الأمينة في الخدمة تعطي ببذل ناتج عن الحب لعريسها ولأولاده وشعبه. هناك في مجال الخدمة، في حقل الرب، في القرى، في الكروم حين تُقدم للبشرية اتحادها مع المسيح عريسها إنما تُقدم للرب حبها، أو تقدم ثدييها (العهدين : العهد القديم و العهد الجديد)، تقدم كلمة الله بكونه الغذاء المشبع للنفوس.


هل أزهر الكرم. = 

هل ظهرت ثمار الخدمة في المخدومين. 


* * * 


حياة الارتباط مع الحبيب تظهر من الكلمات التي قالتها العروس "لنخرج.. لنَبتْ.. لنبكرّن.. لننظر..".. كل حياتها أصبحت مرتبطة به.. والتبكير يشير إلى الاجتهاد في العمل.. إنها تبحث وتفتش عن الثمار"هل أزهر الكرم، هل تفتح العقال، هل نوّر الرمان".. بعد كل هذا تقول:

"هنالك أعطيك حبي"!!


هنالك.. أي في الحقول والقرى والكروم.. إنها نظرة شاملة لعمل الرب في كل العالم.. وفى هذه كلها تستطيع أن تعطيه حبها أي تظهر له حبها.





13 اللفاح يفوح رائحة، وعند أبوابنا كل النفائس من جديدة وقديمة، ذخرتها لك يا حبيبي


اللفاح

نوع من أجمل الزهور وأبهاها. يشير للحب الزيجي بين رجل وزوجته. وكان القدماء يتصورون أن فيه شفاء للعقم. (تكوين ٣٠ / ١٤ - ١٦ ). والمعنى هنا أن الحب بين العروس وحبيبها المسيح فاحت رائحته. 


وهذه الوحدة لها ثمار كلها نفائس = 

هي ثمار عمل كلمة الله في النفس. وما هو نوع الثمار ؟ الثمار نوعين :

 1) شفاء هذه النفس فيكون لها ثمار الروح. 2) شفاء النفس العقيمة فتصبح خادمة ولود متئم (نشيد الانشاد ٤ / ٢) لها أولاد أتت بهم لله، والله إعتبرهم نفائس فهم نفوس مات عنها فهي غالية جدًا عليه، فاللفاح يشير لولادة البنين، كما قال بولس الرسول "يا أولادى الذين أتمخض بكم إلى أن يتصور المسيح فيكم" (غلاطية ٤ / ١٩). وتقول هذه النفس للمسيح في النهاية "ها أنا والأولاد الذين أعطانيهم الرب" (إشعياء ٨ / ١٨ + عبرانيين ٢ / ١٣). 

جديدة = 

فكل يوم هناك نفوس جديدة تعرف المسيح عن طريقها. 

وهي قديمة = 

البداية كانت بأن النفس دخلت إلى العمق فإمتلأت بالروح فأثمرت. 

ذخرتها لك يا حبيبي = 

قارن بين : هذه النفس -- التي ذخرت لحبيبها نفائس جديدة وقديمة وحينما تقابله في السماء يجد معها هذا الكنز من النفائس وهو يفرح بها وبِمَنْ أتت بهم -- وبين نفس أخرى تذخر لنفسها غضباً في يوم الغضب يوم الدينونة (رومية ٢ / ٥). فمن يتقبل عمل المسيح وعمل الروح القدس فيه يذخر نفائس تكون له كنوزاً في السماء ،  يكون اليوم الأخير له هو يوم عرس ومن لا يتقبل عمل الروح القدس فيه ويقاومه ويحزنه يصير هذا اليوم يوم دينونة له.




 

تم عمل هذا الموقع بواسطة